النّساء ، وأنال الطّيب ، فمن رغب عن سنّتي ، فليس منّي» ، قال الطبريّ : كان فيما يتلى : «من رغب عن سنّتك ، فليس من أمّتك ، وقد ضلّ عن سواء السّبيل» ، والطيبات في هذه الآية : المستلذّات ؛ بدليل إضافتها إلى ما أحلّ الله ؛ وبقرينة ما ذكر من سبب الآية.
وقوله سبحانه : (وَلا تَعْتَدُوا) ، قال عكرمة وغيره : معناه : في تحريم ما أحلّ الله (١) ، وقال الحسن بن أبي الحسن : المعنى : ولا تعتدوا ، فتحلّوا ما حرّم الله (٢) ، فالنهيان على هذا تضمّنا الطرفين ؛ كأنه قال : لا تشدّدوا ؛ فتحرّموا حلالا ، ولا تترخّصوا ؛ فتحلّوا حراما ، قلت : وروى مالك في «الموطإ» ، عن أبي النّضر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لمّا مات عثمان بن مظعون ، ومرّ بجنازته : «ذهبت ، ولم تلتبس منها بشيء» (٣).
قال أبو عمر في «التمهيد» : هذا الحديث في «الموطإ» مقطوع ، وقد روّيناه متصلا مسندا من وجه صالح حسن ، ثم أسند أبو عمر عن عائشة ، قالت : «لمّا مات عثمان بن مظعون ، كشف النبيّ صلىاللهعليهوسلم الثّوب عن وجهه ، وقبّل بين عينيه ، وبكى بكاء طويلا ، فلما رفع على السّرير ، قال : طوبى لك يا عثمان! لم تلبسك الدّنيا ولم تلبسها» (٤).
قال أبو عمر : كان عثمان بن مظعون أحد الفضلاء العبّاد الزاهدين في الدنيا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم المتبتّلين منهم ، وقد كان هو وعليّ بن أبي طالب همّا أن يترهّبا ويتركا النساء ، ويقبلا على العبادة ، ويحرّما طيّبات الطعام على أنفسهما ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ...) الآية. ونقل هذا معمر وغيره عن قتادة (٥). انتهى.
وقوله سبحانه : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) : معناه : شدّدتم ، وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد ؛ قال الحطيئة : [البسيط]
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٣) (١٢٣٥٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٢٢٨)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٣) (١٢٣٥٨) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٢٢٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٤٧) وعزاه لعبد بن حميد ، عن الحسن.
(٣) أخرجه مالك في «الموطأ» (١ / ٢٤٢) كتاب «الجنائز» ، باب جامع الجنائز ، حديث (٥٤)
(٤) أخرجه أبو داود (٣ / ٣٠١) كتاب «الجنائز» ، باب في تقبيل الميت ، حديث (٣١٦٣) والترمذي (٣ / ٣١٤ ـ ٣١٥) كتاب «الجنائز» ، باب ما جاء في تقبيل الميت ، حديث (٩٨٩) من حديث عائشة.
وقال الترمذي : حسن صحيح.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٠) (١٢٣٤٦)