قال العراقيّ : (تَفِيضُ) ، أي : تسيل منها العبرة ، وفي الحديث : «اقرءوا القرآن ، وابكوا ، فإن لم تبكوا ، فتباكوا» ، خرّجه البزّار (١). انتهى من «الكوكب الدري» ، وفيه عن البزّار أيضا ؛ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من خرج من عينيه مثل جناح ذباب دموعا من خشية الله ، لم يدخل النّار حتّى يعود اللّبن في ضرعه». انتهى.
وقولهم : (مَعَ الشَّاهِدِينَ) ، يعني : نبيّنا محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، وأمته ؛ قاله ابن عباس (٢) وغيره ، وقال (٣) الطبريّ : لو قال قائل : معنى ذلك : «مع الشاهدين بتوحيدك من جميع العالم» ، لكان صوابا ، وهو كلام صحيح ؛ وكأن ابن عبّاس خصّص أمة محمد ؛ لقول الله سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ...) [البقرة : ١٤٣] الآية ، وقولهم : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِ) : توقيف لأنفسهم أو محاجّة لمن عارضهم من الكفار ، والقوم الصالحون : محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وأصحابه ؛ قاله ابن زيد وغيره (٤) من المفسّرين ، ثم ذكر تعالى ما أثابهم به من النعيم على إيمانهم وإحسانهم ، ثم ذكر سبحانه حال الكافرين المكذّبين ، وأنهم قرناء الجحيم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٨٩)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ...) الآية : قال ابن عباس وغيره (٥) نزلت بسبب جماعة من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم بلغت منهم المواعظ ، وخوف الله تعالى إلى أن حرّم بعضهم النساء ، وبعضهم النوم بالليل ، والطّيب ، وهمّ بعضهم بالاختصاء ، فبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «أمّا أنا فأقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآتي
__________________
(١) تقدم «تفسيره» في أول التفسير.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٧) برقم (١٢٣٣٦) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٢٢٧)
(٣) ينظر : الطبري (٥ / ٨)
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ٨) (١٢٣٣٩) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٢٢٦)
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١١) (١٢٣٥١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٢٢٨) ، و «صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس» (ص ١٨٦ / ٣٣٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٤٤) وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس.