والإجماع على أن النهي عن المنكر ـ واجب لمن أطاقه ، ونهى بمعروف ، أي : برفق ، وقول معروف ، وأمن الضرر عليه ، وعلى المؤمنين ، فإن تعذّر على أحد النّهي ؛ لشيء من هذه الوجوه ، ففرض عليه الإنكار بقلبه ، وألّا يخالط ذا المنكر ، وقال حذّاق أهل العلم : ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية ، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا.
وقوله سبحانه : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) : اللام لام قسم ، وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل الجهاد كلمة حقّ» ، أو قال : «كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر» (١). انتهى.
وقوله تعالى لنبيّه محمّد ـ عليهالسلام ـ : (تَرى كَثِيراً) يحتمل أن تكون رؤية عين ؛ فلا يريد إلّا معاصريه ، ويحتمل أن تكون رؤية قلب ؛ وعلى هذا ، فيحتمل أن يريد المعاصرين له ، ويحتمل أن يريد أسلافهم ، و (الَّذِينَ كَفَرُوا) : عبدة الأوثان.
وقوله سبحانه : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ...) الآية ، أي : قدّمته للآخرة ، واجترحته ، ثم فسّر ذلك قوله تعالى : (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ؛ ف (أَنْ سَخِطَ) : في موضع رفع بدل من (ما) ، ويحتمل أن يكون التقدير : هو أن سخط الله عليهم.
وقوله تعالى : (وَالنَّبِيِ) إن كان المراد الأسلاف ، فالنبيّ : داود وعيسى ، وإن كان المراد معاصري نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فالمراد ب «النبيّ» هو صلىاللهعليهوسلم.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ قوله سبحانه : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل ، وأنه يعني به المنافقين ؛ ونحوه لمجاهد (٢).
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٥٢٧ ـ ٥٢٨) ، كتاب «الملاحم» ، باب الأمر والنهي ، حديث (٤٣٤٤) ، وابن ماجة (٢ / ١٣٢٩) كتاب «الفتن» ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حديث (٤٠١١) من طريق عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري به.
وأخرجه الحميدي (٧٥٢) ، والحاكم (٤ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦) من طريق علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري به.
وقال الحاكم : تفرد به ابن جدعان ، ولم يحتج به الشيخان وقال الذهبي في «التلخيص» : هو صالح الحديث.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٢٢٥)