قوله : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) ؛ لأنّه لا وجه له ؛ فإنّه لولا فضل الله ورحمته ، لاتبعوا الشيطان كلّهم. انتهى ، وهو حسن ، وأما قوله : «لا وجه له» ، ففيه نظر ، فقد وجّهه العلماء بما لا نطيل بذكره.
وقوله تعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ...) الآية : هذا أمر في ظاهر اللّفظ للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وحده ، لكن لم نجد قطّ في خبر ، أنّ القتال فرض على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، دون الأمّة مدّة ما ، والمعنى ، والله أعلم ؛ أنه خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكلّ واحد في خاصّة نفسه ، أي : أنت ، يا محمّد ، وكلّ واحد من أمّتك القول له : فقاتل في سبيل الله ، لا تكلّف إلّا نفسك ، ولهذا ينبغي لكلّ مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ، ولو وحده ؛ ومن ذلك قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «والله ، لأقاتلنّكم حتّى تنفرد سالفتي (١)» (٢) ، وقول أبي بكر (رضي الله عنه) وقت الرّدّة : «ولو خالفتني يميني ، لجاهدتّها بشمالي» ، وعسى إذا وردت من الله تعالى ، فقال عكرمة وغيره : هي واجبة ؛ بفضل الله ووعده الجميل (٣) ، قلت : أي : واقع ما وعد به سبحانه ، والتنكيل : الأخذ بأنواع العذاب.
(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً)(٨٧)
وقوله سبحانه : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً ...) الآية : قال مجاهد وغيره : هي في شفاعات النّاس بينهم في حوائجهم ، فمن يشفع لينفع ، فله نصيب ، ومن يشفع ليضرّ ، فله (٤) كفل ، والكفل : النّصيب ، ويستعمل في الخير وفي الشّرّ ، وفي كتاب الله تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الحديد : ٢٨] ، وروى أبو داود ، عن أبي أمامة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛
__________________
(١) السالفة : صفحة العنق ، وهما سالفتان من جانبيه ، وكنى بانفرادها عن الموت ؛ لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت. وقيل : أراد حتى يفرّق بين رأسي وجسدي. ينظر : «النهاية» (٢ / ٣٩٠)
(٢) أخرجه البخاري (٥ / ٣٨٨ ـ ٣٩٢) ، كتاب «الشروط» ، باب الشروط في الجهاد ، حديث (٢٧٣١) ، (٢٧٣٢) ، وأحمد (٤ / ٣٢٩) من حديث المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم.
(٣) ذكره ابن عطية (٢ / ٨٦)
(٤) أخرجه الطبري (٤ / ١٨٨) برقم (١٠٠٢١) ، وذكره البغوي (١ / ٤٥٧) ، وابن عطية (٢ / ٨٦) ، وابن كثير (١ / ٥٣١) ، والسيوطي (٢ / ٣٣٥) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.