أحدهما : غير مأمور وغير صاغر ؛ كأنهم قالوا : غير أن تسمّع مأمورا بذلك.
والآخر : على جهة الدعاء ، أي : لا سمعت ؛ كما تقول : امض غير مصيب ، ونحو ذلك ، فكانت اليهود إذا خاطبت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ب (غَيْرَ مُسْمَعٍ) ، أرادت في الباطن الدعاء عليه ، وأرت ظاهرا ؛ أنها تريد تعظيمه ، قال ابن عبّاس وغيره نحوه (١) ، وكذلك كانوا يريدون منه في أنفسهم معنى الرّعونة ، وحكى مكّيّ معنى رعاية الماشية ، ويظهرون منه معنى المراعاة ، فهذا معنى ليّ اللسان ، وقال الحسن ومجاهد : (غَيْرَ مُسْمَعٍ) ، أي : غير مقبول منك (٢) ، و (لَيًّا) : أصله «لويا» ، و (طَعْناً فِي الدِّينِ) : أي : توهينا له وإظهارا للاستخفاف به.
قال ع : وهذا اللّيّ باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود حتّى الآن في بني إسرائيل ، ويحفظ منه في عصرنا أمثلة إلّا أنه لا يليق ذكرها بهذا الكتاب.
وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ ...) الآية : المعنى : ولو أنهم آمنوا وسمعوا وأطاعوا ، و (أَقْوَمَ) : معناه : أعدل وأصوب ، و (قَلِيلاً) : نعت إما لإيمان ، وإما لنفر ، أو قوم ، والمعنى مختلف.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً)(٥٠)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ...) الآية : هذا خطاب لليهود والنصارى ، و (لِما مَعَكُمْ) : من شرع وملّة ، لا لما معهم من مبدّل ، ومغيّر ، والطامس : الداثر المغيّر الأعلام ، قالت طائفة : طمس الوجوه هنا هو خلوّ الحواسّ منها ، وزوال الخلقة ، وقال ابن عبّاس وغيره : طمس الوجوه : أن تزال العينان
__________________
(١) أخرجه الطبري (٤ / ١٢١) برقم (٩٧٠٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٦٢) ، وابن كثير (١ / ٥٠٧) ، والسيوطي (٢ / ٣٠٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن ابن عباس.
(٢) ذكره الطبري (٤ / ١٢٢) برقم (٩٧٠٤ ، ٩٧٠٥) عن مجاهد ، وبرقم (٩٧٠٦) عن الحسن ، وابن عطية (٢ / ٦٢) ، وابن كثير (١ / ٥٠٧) ، والسيوطي (٢ / ٣٠٠) عن مجاهد وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.