(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(٤٦)
وقوله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ...) الآية : (أَلَمْ تَرَ) : من رؤية القلب ، وهي علم بالشيء ، والمراد ب «الّذين» : اليهود ؛ قاله قتادة وغيره (١) ، ثم اللفظ يتناول معهم النصارى ، وقال ابن عبّاس : نزلت في رفاعة بن زيد بن التّابوت اليهوديّ (٢) ، والكتاب : التوراة والإنجيل ، و (يَشْتَرُونَ) : عبارة عن إيثارهم الكفر ، وتركهم الإيمان ، وقالت فرقة : أراد الّذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم ، فهو شراء حقيقة ، (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) معناه : أن تكفروا.
وقوله سبحانه : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) خبر في ضمنه التحذير منهم ، (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا) ، أي : اكتفوا بالله وليّا.
وقوله سبحانه : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) ، قال بعض المتأوّلين : «من» راجعة على «الّذين» الأولى ، وقالت فرقة : «من» متعلّقة ب «نصيرا» ، والمعنى : ينصركم من الذين هادوا ، فعلى هذين التأويلين لا يوقف في قوله : «نصيرا» ، وقالت فرقة : هي ابتداء كلام ، وفيه إضمار ، تقديره : قوم يحرّفون ، وهذا مذهب أبي عليّ ، وعلى هذا التأويل يوقف في «نصيرا» ، وقول سيبويه أصوب / ؛ لأنّ إضمار الموصول ثقيل ، وإضمار الموصوف أسهل ، وتحريفهم للكلام على وجهين ، إما بتغيير اللفظ ، وقد فعلوا ذلك في الأقلّ ، وإمّا بتغيير التّأويل ، وقد فعلوا ذلك في الأكثر ، وإليه ذهب الطّبريّ (٣) ، وهذا كلّه في التوراة ؛ على قول الجمهور ، وقالت طائفة : هو كلم القرآن ، وقال مكّيّ : هو كلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فالتّحريف على هذا في التأويل.
وقوله تعالى عنهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) عبارة عن عتوّهم في كفرهم وطغيانهم فيه ، و (غَيْرَ مُسْمَعٍ) : يتخرّج فيه معنيان :
__________________
(١) أخرجه الطبري (٤ / ١١٩) برقم (٩٦٩٢) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٦١)
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ١١٩) برقم (٩٦٩٤) ، وذكره البغوي (١ / ٤٣٧) ، وابن عطية (٢ / ٦١) ، والسيوطي (٢ / ٣٠٠) ، وعزاه لابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الدلائل».
(٣) ينظر : «تفسير الطبري» (٤ / ١٢٠)