قال ابن العربيّ في «الأحكام» (١) : وروي في سبب نزول هذه الآية عن عليّ (رضي الله عنه) ؛ أنه قال : صنع لنا عبد الرّحمن بن عوف طعاما ، فدعانا ، وسقانا من الخمر ـ يعني : وذلك قبل تحريمها ـ قال : فأخذت الخمر منّا ، وحضرت الصّلاة ، فقدّموني ، فقرأت : قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، قال : فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ...) الآية : خرّجه الترمذيّ وصحّحه. انتهى (٢).
وقوله : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) ، قال عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) وغيره : عابر السّبيل : المسافر (٣).
وقال ابن مسعود وغيره : عابر السّبيل هنا : الخاطر في المسجد ، وعابر سبيل هو من العبور ، أي : الخطور والجواز (٤) ، والمريض المذكور في الآية هو الحضريّ ، وأصل الغائط ما انخفض من الأرض ، ثم كثر استعماله في قضاء الحاجة.
واللّمس في اللغة لفظ يقع للّمس الّذي هو الجماع ، وللّمس الذي هو جسّ اليد والقبلة ونحوه ، واختلف في موقعها هنا ، فمالك (رحمهالله) يقول : اللفظة هنا تقتضي الوجهين ، فالملامس بالجماع يتيمّم ، والملامس باليد يتيمّم ، ومعنى قوله سبحانه :
(فَتَيَمَّمُوا) : اقصدوا ، والصّعيد (٥) ؛ في اللغة : وجه الأرض ؛ قاله الخليل وغيره ، واختلف
__________________
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (١ / ٤٣٣)
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ٩٨) برقم (٩٥٢٧) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٥٦) ، وابن كثير (١ / ٥٠٠) ، والسيوطي (٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وأبي داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والحاكم وصححه.
(٣) أخرجه الطبري (٤ / ١٠٠) برقم (٩٥٤٢) ، وذكره البغوي (١ / ٤٣١) ، وابن عطية (٢ / ٥٧) ، وابن كثير (١ / ٥٠١) ، والسيوطي (٢ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥) وعزاه للفريابي ، وابن أبي شيبة في «المصنف» ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «سننه» عن علي.
(٤) ذكره البغوي (١ / ٤٣١) ، وابن عطية (٢ / ٥٧) ، والسيوطي (٢ / ٢٩٥) ، وعزاه لابن جرير عن ابن مسعود.
(٥) قال في «لسان العرب» : الصعيد المرتفع من الأرض .. وقيل : الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة ـ وقيل : ما لم يخالطه رمل ، ولا سبخة ـ وقيل : وجه الأرض ؛ لقوله تعالى : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) [الكهف : ٤٠] أي : أرضا ملساء لا نبات بها.
وقال جرير :
إذا تيم ثوت بصعيد أرض |
|
بكت من حيث لؤمهم الصعيد |
وقيل : الصعيد الأرض ، وقيل : الأرض الطيبة ، وقيل : هو كل تراب طيب ـ «وفي التنزيل : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [المائدة : ٦]» وقال «الفرّاء» في قوله : (صَعِيداً جُرُزاً) [الكهف : ٨] : الصعيد التراب ـ