ما أشبه ذلك (١).
وقال ابن عبّاس أيضا : كلّ ما نهى الله عنه ، فهو كبير (٢) ، وعلى هذا القول أئمّة الكلام ؛ القاضي ، وأبو المعالي ، وغيرهما ؛ قالوا : وإنما قيل : صغيرة ؛ بالإضافة إلى أكبر منها ، وإلّا فهي في نفسها كبيرة ؛ من حيث المعصيّ بالجميع واحد ، واختلف العلماء في هذه المسألة ، فجماعة من الفقهاء والمحدّثين يرون أنّ باجتناب الكبائر تكفّر الصغائر قطعا ، وأما الأصوليّون ، فقالوا : محمل ذلك على غلبة الظّنّ ، وقوّة الرجاء ، لا على القطع ، ومحمل الكبائر عند الأصوليّين في هذه الآية أجناس الكفر ، والآية التي قيّدت الحكم ، فتردّ إليها هذه المطلقات كلّها : قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨ و ١١٦].
و (كَرِيماً) : يقتضي كرم الفضيلة ، ونفي العيوب ؛ كما تقول : ثوب كريم ، وهذه آية رجاء ، وروى أبو حاتم البستيّ في «المسند الصّحيح» له ، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدريّ ؛ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم جلس على المنبر ، ثمّ قال : «والّذي نفسي بيده» ، ثلاث مرّات ، ثم سكت ، فأكبّ كلّ رجل منّا يبكي حزينا ليمين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ قال : «ما من عبد يؤدّي الصّلوات الخمس ، ويصوم رمضان ، ويجتنب الكبائر السّبع ، إلّا فتحت له ثمانية أبواب من الجنّة يوم القيامة ؛ حتّى إنّها لتصفّق ، ثمّ تلا : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ...) (٣) الآية». انتهى من «التذكرة» للقرطبيّ ، ونحوه ما رواه مسلم ، عن أبي هريرة ، قال : قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «الصّلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ ، إذا اجتنبت الكبائر» (٤) ؛ قال القرطبيّ (٥) : وعلى هذا جماعة أهل التأويل ، وجماعة الفقهاء ، وهو الصحيح ؛ أنّ الصغائر تكفّر باجتناب الكبائر قطعا بوعد الله الصّدق ، وقوله الحقّ سبحانه ، وأما الكبائر ، فلا تكفّرها إلا التوبة منها. انتهى.
قلت : وفي «صحيح مسلم» ، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ؛ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) أخرجه الطبري (٤ / ٤٤) برقم (٩٢١٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٣ ـ ٤٤) ، وابن كثير (١ / ٤٨٦) ، والسيوطي (٢ / ٢٦١) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ٤٣) برقم (٩٢٠٢) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤) ، وابن كثير (١ / ٤٨٦) ، والسيوطي (٢ / ٢٦١) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والبيهقي في «الشعب».
(٣) أخرجه النسائي (٥ / ٨) ، كتاب «الزكاة» ، باب وجوب الزكاة ، والبخاري في «التاريخ الكبير» (٤ / ٣١٦) ، وابن خزيمة (٣١٥) ، وابن حبان (١٧٤٨) ، والبيهقي (١٠ / ١٨٧) كلهم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر عن صهيب مولى العتواريين عن أبي هريرة مرفوعا.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) ينظر : «تفسير القرطبي» (٥ / ١٠٤)