حالة الرّبيبة في الأكثر ، وهي محرّمة ، وإن لم تكن في الحجر ، ويقال : حجر (بكسر الحاء ، وفتحها) ، وهو مقدّم ثوب الإنسان وما بين يديه منه ، ثم استعملت اللفظة في الحفظ والسّتر.
وقوله : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ، قال ابن عبّاس وغيره : الدخول هنا الجماع (١) ،
__________________
ـ علي لا تقوم به حجة ، ولا تصح روايته عند أهل العلم بالحديث ، والصحيح عنه مثل قول الجماعة والقول بأن الموصول يصح أن يكون صفة للجملتين باطل ؛ لأنه لو كان وصفا لهما للزم أن يكون وصفا لمعمولي عاملين مختلفين ؛ لأن العامل في «أمهات نسائكم» الإضافة ، وفي «نسائكم» حرف الجر ، وهو «من» ، فلو كان الدخول صفة لهما لأدى إلى اختلاف العامل في الصفة ، واختلاف العامل على معمول واحد باطل ، كالعطف على معمولي عاملين مختلفين ، فتعين أنه ليس صفة عائدة إليهما ، بل يجب أن يكون صفة لواحد منهما ، وما يليه أولا ، على أن الاحتياط في الفروج يقضي أن يجعل شرطا في الربيبة فقط. وأما الجمهور فقد استدلوا بالكتابة ، والسنة والمعقول :
أما الكتاب ، فقول الله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ووجه الدلالة من الآية : أنهم قالوا : إن الله (سبحانه وتعالى) ذكر تحريم أمهات النّساء مطلقا من غير قيد بالدخول ، فتحرم أمهات النّساء ولو لم يدخل بهن ، ومما يؤيد إطلاق الآية الكريمة ما روي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال في هذه الآية : «المرأة مبهمة ، فأبهموا ما أبهم الله» أي أطلقوا ما أطلقه الله ، وعمموا حكمها في كل حال ، ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها. وأيضا فإن المعقود عليها يصدق عليها أنها من نسائه ، فتدخل في قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ).
وأما السنة ، فأولا : ما روي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا نكح الرجل امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فله أن يتزوج ابنتها ، وليس له أن يتزوج الأم».
وثانيا : ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا نكح الرّجل المرأة ، فلا يحلّ له أن يتزوّج أمّها ، دخل بالبنت أو لم يدخل ، وإن تزوّج الأمّ فلم يدخل بها ثمّ طلّقها ، فإن شاء تزوّج البنت» أخرجاه في الصحيحين.
فهذه الأحاديث صريحة في عدم حل أم الزوجة مطلقا ، دخل بها ، أو لم يدخل.
وأما المعقول ، فإنهم قالوا : إن هذا النكاح يفضي إلى قطيعة الرحم ؛ لأنه إذا طلق البنت ، وتزوج أمها حملها ذلك على الضغينة التي هي سبب لقطيعة الرحم ، وكل ما يفضي إلى قطيعة الرحم تحرمه الشريعة الإسلامية ، لذلك نجدها تحرم الجمع بين المرأة وأختها ، وبين المرأة وبنتها خوفا من قطيعة الرحم ، وهذا المعنى يستوي فيه ما إذا دخل بالبنت ، وما إذا لم يدخل بها ؛ بخلاف الأم حيث قلنا : لا تحرم بنتها بمجرد العقد عليها ؛ لأن إباحة نكاح البنت بعد العقد على أمها لا يفضي إلى القطيعة المحرمة ، وذلك لما هو معروف عن الأم من الشفقة على بنتها ، فهي تؤثرها على نفسها ؛ بخلاف البنت ، فإنها لا تؤثر أمها على نفسها.
يتبين لنا من بيان الأدلة ومن مناقشة أدلة المخالفين للجمهور رجحان مذهب الجمهور ، لقوة أدلتهم ، وسلامتها من الطعن ، وعدم قوة معارضة غيرها لها.
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٦٦٤) برقم (٨٩٥٩) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٢) ، وابن كثير (١ / ٤٧١) بنحوه ، والسيوطي (٢ / ٢٤٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «سننه» عن ابن عباس.