مرويّا ، ومعناه : الرّبا الذي كانت العرب تضعّف فيه الدّين ، وقد تقدّم الكلام على ذلك في «سورة البقرة».
وقوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ، أي : أنهم المقصود ، والمراد الأوّل ، وقد يدخلها سواهم من العصاة ، هذا مذهب أهل العلم في هذه الآية ، وحكى الماورديّ (١) وغيره ، عن قوم ؛ أنهم ذهبوا إلى أن أكلة الرّبا ، إنما توعّدهم الله بنار الكفرة ، لا بنار العصاة.
وقوله سبحانه : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، قال محمّد بن إسحاق : هذه الآية من قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ) هي ابتداء المعاتبة في أمر أحد ، وانهزام من فرّ ، وزوال الرماة عن مراكزهم (٢).
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٣٤)
وقوله تعالى : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، قرأ نافع ، وابن عامر : سارعوا بغير «واو» ؛ وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام ، وقرأ باقي السبعة بالواو ، والمسارعة : المبادرة ، وهي مفاعلة ؛ إذ الناس كأن كلّ واحد يسرع ليصل قبل غيره ، فبينهم في ذلك مفاعلة ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [البقرة : ١٤٨] ، والمعنى : سارعوا بالطّاعة ، والتقوى ، والتقرّب إلى ربّكم إلى حال يغفر الله لكم فيها ، قلت : وحقّ على من فهم كلام ربّه ؛ أن يبادر ويسارع إلى ما ندبه إليه ربّه ، وألّا يتهاون بترك الفضائل الواردة في الشّرع ، قال النوويّ ـ رحمهالله ـ : اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال ؛ أن يعمل به ، ولو مرّة ؛ ليكون من أهله ، ولا ينبغي أن يتركه جملة ، بل يأتي بما تيسّر منه ؛ لقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الحديث المتّفق على صحّته : «وإذا
__________________
(١) علي بن محمد بن حبيب ، القاضي أبو الحسن الماوردي ، البصري ، أحد أئمة أصحاب الوجوه ، تفقه على أبي القاسم الصيمري ، وسمع من أبي حامد الأسفراييني ، قال الخطيب : كان ثقة ، من وجوه الفقهاء الشافعيين. وقال الشيرازي : وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والأدب ، وكان حافظا للمذهب.
ومن تصانيفه : «الحاوي». قال الأسنوي : ولم يصنف مثله ، والأحكام السلطانية والتفسير المعروف بالنكت والعيون وغيرها. مات سنة ٤٥٠.
انظر : «طبقات ابن قاضي شهبة» (١ / ٢٣٠) ، و «تاريخ بغداد» (١٢ / ١٠٢) ، و «طبقات السبكي» (٣ / ٣٠٣)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٣٥) برقم (٧٨٢٨)