أشد من الحجارة قسوة ، تجردوا من الإنسانية والرحمة ، وتمكن الكفر والباطل والضلال منهم.
وسبب هذا التعذيب والإحراق بالنار : أن جبابرة أهل الكفر هؤلاء في نجران اليمن ، لم ينكروا ولم يعيبوا شيئا على المؤمنين إلا إيمانهم ، وتصديقهم بالله تعالى الذي لا يغلب ، المحمود على كل حال ، مالك السماوات والأرض ، وإليه الأمر كله ، فهو الحقيق بالإيمان به وبتوحيده ، والله شاهد عالم بما فعلوا بالمؤمنين ، لا تخفى عليه خافية ، وسيجازيهم بالجزاء الأوفى على أفعالهم ، وهذا وعيد شديد لأصحاب الأخدود وأمثالهم ، ووعد طيب بالخير لمن عذّب من المؤمنين على دينه ، فصبر ولم يتراجع في موقف الشدة.
والجزاء يجمع الفريقين ، فإن الذين أحرقوا بالنار المؤمنين والمؤمنات بالله ورسله ، ولم يتركوهم أحرارا في دينهم ، وأجبروهم إما على الإحراق ، وإما على الرجوع عن دينهم ، ثم لم يتوبوا من قبيح صنيعهم وفحش كفرهم ، فلهم في الآخرة عذاب جهنم بسبب كفرهم ، ولهم عذاب الاحتراق بالنار ، لأن الجزاء من جنس العمل ، وعذاب الحريق تأكيد لعذاب جهنم ، أو أن جهنم والحريق : طبقتان من النار.
وقوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) دليل على إصرارهم على الكفر ، وأنهم لو تابوا عن سوء فعلهم ، وندموا ، لغفر الله لهم ، ولكنهم لم يفعلوا.
وأما الذين آمنوا وصدقوا بالله ربا واحدا لا شريك له ، وبالرسل وباليوم الآخر والملائكة والكتب الإلهية ، وعملوا صالح الأعمال باتباع أوامر الله ، واجتناب نواهيه ، ومنهم الذين صبروا على نار الأخدود ، وثبتوا على دينهم ، ولم يرتدوا ، لهم بهاتين الصفتين : الإيمان والعمل الصالح ، جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها