ثم أكّد الله تعالى تخويف المشركين بعذاب الآخرة من وجهين :
كيف تقون أنفسكم ، وتنعمون بالأمان والاستقرار إن بقيتم على الكفر ، من عذاب يوم يجعل الأطفال شيبا بيض الشعور ، لشدة هوله ، وهذا كناية عن شدة الخوف ؛ وتصير السماء متشققة به متصدعة ، لشدته وعظيم هوله ، وكان وعد الله بمجيء ذلك اليوم كائنا واقعا ، لا محالة ، ولا محيد عنه. وقوله تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ) معناه : كيف تجعلون واقيا لأنفسكم ، وكلمة (يوما) مفعول به لكلمة (تتقون) ويجوز أن يكون ظرفا ، والمعنى : تتقون عقاب الله يوما. و (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ) إما مسند إلى اسم الله تعالى ، أو مسند إلى اليوم. و (الولدان) صغار الأطفال. و (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) أي ذات انفطار وتشقق ، كامرأة حائض وطالق. والانفطار : التصدع والانشقاق ، على غير نظام يقصد. وضمير (به) إما عائد على اليوم ، وإما عائد على الله تعالى.
وهذه الآية لها نظائر ، منها : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) [الفرقان : ٢٥ / ٢٥]. أي بالغمام الذي هو ظلل ، يأتي الله تعالى فيها ، والمعنى : يأتي أمره وقدرته. وكذلك (مُنْفَطِرٌ بِهِ) أي بأمره وسلطانه. وضمير (كانَ وَعْدُهُ) ظاهر أنه لله تعالى. ويحتمل أن يكون لليوم ، لأنه يضاف إليه من حيث هو فيه.
إن توالي التهديدات لمشركي قريش ، مع وصف ألوان العذاب ، يدلّ على شدة غضب الله تعالى وسخطه على كل من كفر بالله وأشرك ، وأن كل أعمال المشركين مرصودة مدونة عليهم مشهود بها من رسولهم عليها ، حتى لا تكون مجالا للإنكار والجحود. وما تقدم في سورة المزمل من الآيات المخوفة موعظة بليغة ، فمن أراد اتّعظ بها واتّخذ الطاعة طريقا توصله إلى رضوان الله في الجنة.