وأنواع عذابهم أربعة : هي أن عندنا القيود والأغلال لهؤلاء المكذبين بآياتنا وبرسولنا ، ونارا مؤججة مضطرمة ، وطعاما لا يستساغ ، ويصعب بلعه ، ينشب في الحلق ، فلا يخرج ولا يدخل كالزّقوم والضّريع ، ونوعا آخر من العذاب المؤلم الشديد ، لا يعلم به غير الله تعالى.
والأنكال : جمع نكل : وهو القيد من الحديد ، ويروى أنها قيود سود من نار. وروي أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية فصعق.
وزمان ذلك العذاب الذي يعذب به الكافرون : هو في يوم تضطرب فيه الأرض والجبال ، وتتزلزل بمن عليها. والرجفة : الزلزلة الشديدة. وتصير الجبال كالكثيب المهيل ، أي الرمل المتجمع السائل ، الذي يسيح فيه الإنسان والحيوان ، بعد ما كانت حجارة صماء ، وصخورا صلبة ، ثم تنسف نسفا ، فلا يبقى منها شيء إلا ذهب. والمهيل : هو الذي إذا وطئته القدم زلّ ما تحتها.
ثم هدّد الله تعالى مشركي مكة بأهوال الدنيا التي تعرضت لها الأمم المكذبة المتقدمة ، وهو : إننا أرسلنا إليكم أيها المشركون في مكة وغيرها ، رسولا هو محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم ، وبما يصدر عنكم من إجابة وامتناع ، وطاعة وعصيان ، كما أرسلنا موسى عليهالسلام إلى الطاغية فرعون ، يدعوه إلى دين الحق والإيمان بالله تعالى إلها واحدا لا شريك له ، فعصى فرعون الرسول المرسل إليه ، وكذّبه ولم يؤمن برسالته ، فأخذناه أخذا شديدا ثقيلا غليظا ، وعاقبناه عقابا مؤلما ، وأهلكناه ومن معه بالغرق في البحر ، فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول ، فيصيبكم ما أصاب فرعون ، حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ، وأنتم أولى بالهلاك والدمار ، إن كذبتم رسولكم الذي هو أشرف وأعظم من موسى بن عمران عليهالسلام. وإنما عرّف كلمة (الرسول) في المرة الثانية ، لأنه ينصرف إلى المعهود السابق في الذكر.