مفاتيح أرزاق العباد ، يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ولكن المنافقين يجهلون أن خزائن الأرزاق بيد الله ، فظنّوا أن الله لا يوسّع أو يعوّض على المؤمنين ما فقدوه أو تركوه من أموالهم في مكة.
والأظهر أن الخزائن أشياء مخلوقة موجودة ، يصرّفها الله تعالى حيث يشاء.
هؤلاء المنافقون : هم الذين يقولون ـ والقائل زعيمهم عبد الله بن أبي ـ : لئن عدنا من هذه الغزوة ـ غزوة بني المصطلق ـ إلى المدينة ، ليخرجن الأعزّ (أي نفسه) منها الأذلّ (أي الرسول والمؤمنين) ، ولم يلبث بعد أن رجع زعيم النفاق ابن أبيّ إلى المدينة أياما يسيرة ، حتى مات ، وردّ الله على المنافقين : بأن لله وحده القوة والغلبة ، ولمن منحها من رسله وصالح المؤمنين ، لا لغيرهم ، ولكن المنافقين لا يعلمون أو لا يدرون ذلك. وفي ذلك وعيد لهم.
ثم حذّر الله المؤمنين من التشبه بالمنافقين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) (١) أي يا أيها المصدّقون بالله ورسوله ، لا تشغلكم الأموال وتدبيرها ، عن القيام بذكر الله تعالى من التوحيد والصلاة والدعاء وغير ذلك من تسبيح وتحميد وتهليل ، وأداء الفرائض الأخرى غير الصلاة. ومن يتلهى بالدنيا ومتاعها وزخارفها ، وينصرف عن الدين وطاعة ربّه ، فإنه من الخاسرين ، الكاملي الخسران ، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، لأنه باع خالدا بفان زائل ، وهذا تحذير وتوعّد وتخويف. والأظهر أن (ذكر الله) ، هنا عام في التوحيد والصلاة والدعاء وغير ذلك من فرض ومندوب.
ثم حثّ الله المؤمنين على الإنفاق في طاعته ونشر دينه وجهاد عدوه ، فقال :
__________________
(١) الإلهاء : الاشتغال بشهوة ولذّة.