وامتدّت بركة البعثة النّبوية إلى جميع طوائف الناس ، من الروم والفرس وغيرهم ، حيث أعدّ الله لقبول دينه جماعة آخرين : وهم من دخل في الإسلام بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، وهم لم يلحقوا بالصحب الكرام في ذلك الوقت ، وسيلحقون بهم من بعد ، والله هو القوي الغالب القاهر ، ذو العزة والسلطان ، القادر على التمكين لأمّة الإسلام في الأرض ، وهو ذو الحكمة البالغة في شرعه وقدره ، وأفعاله وأقواله ، وتدبير خلقه. وكلمة (مِنْهُمْ) في قوله : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) إنما يراد بها في البشرية والإيمان ، كأنه تعالى قال : وآخرين من الناس ، سواء من العرب أو من غيرهم هم من الأمة الإسلامية.
وكلمة (آخَرِينَ) إما معطوفة بالنصب على ضمير (يُعَلِّمُهُمُ) أي يعلّم العرب وغيرهم ، أو معطوفة بالجر على قوله تعالى : (فِي الْأُمِّيِّينَ) أي وبعث في الأمّيين رسولا منهم ، وفي آخرين.
وهذا دليل على عموم بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى جميع الناس ، فهي إلى العرب وغيرهم ، ويدلّ على ذلك كتب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ملوك وأمراء فارس والروم وغيرهم من الأمم ، يدعوهم فيها إلى الله عزوجل وإلى اتباع ما جاء به. وقوله : (لَمَّا) نفي لما قرب من الحال ، والمعنى : أنهم مزمعون أن يلحقوا بهم. وهي (لم) زيدت عليها (ما) للتأكيد.
هذه البعثة النبوية خير كبير ورحمة وفضل على الأمة العربية والناس جميعا ، لقوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ ..) أي ذلك الإسلام والوحي وإعطاء النبوة العظيمة لمحمد صلىاللهعليهوسلم : فضل من الله يعطيه من يشاء من عباده ، والله صاحب الفضل العظيم الذي لا يساويه فضل ولا يدانيه ، وهو ذو المنّ العظيم على جميع خلقه في الدنيا ، بتعليم الكتاب والحكمة في الدنيا ، وفي الآخرة بمضاعفة الجزاء على الأعمال. فقوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) تبيين لموقع النعمة وتخصيصه إياهم (أي العرب وغيرهم) بها.