عاهد كفار قريش يوم الحديبية ، جاءه نساء من المؤمنات ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ..) إلى قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا ، أي صدّقوا بالله ورسوله ، إذا جاءكم النساء اللاتي آمنّ مهاجرات (١) من بلاد الكفار ، فاختبروهن وجرّبوهن وتعرفوا حقيقة ما عندهن ، لتعلموا صدق رغبتهن في الإسلام ، واسألوهن عن سبب مجيئهن. وسماهن الله تعالى : (مُؤْمِناتٍ) قبل التّيقن من ذلك ، عملا بظاهر أمرهن. وقوله : (فَامْتَحِنُوهُنَ) أمر بمعنى الوجوب ، وقيل : بمعنى النّدب أو الاستحباب.
قال ابن عباس وآخرون في كيفية هذا الامتحان : كان بأن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغض زوجها ، ولا بجريرة جرّتها ، ولا بسبب من أعراض الدنيا ، سوى حب الله تعالى ، ورسوله صلىاللهعليهوسلم والدار الآخرة.
ثم حضّ الله تعالى على امتحانهن ، واحتمال الاسترابة ببعضهن ، فقال : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ..) أي إن الامتحان في الظاهر فقط ، أما في الحقيقة والواقع فلا يعلم حقيقة حالهن إلا الله تعالى ، والله أمركم بالظواهر ، وهو يتولى السّرائر ، فإن ترجح لكم أو غلب على ظنّكم أنهنّ مؤمنات ، فلا تردوهنّ إلى أزواجهن المشركين. وسمي الظنّ علما : من باب الظّن الغالب.
والعلّة في ألا يردّ النساء إلى الكفار : هي امتناع الوطء وحرمته ، فليست المؤمنات حلالا للكفار ، وإسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها ، وليس الكفار حلالا للمؤمنات. وهذه الآية هي التي حرّمت المسلمات على المشركين الوثنيين. وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ، كزواج أبي العاص بن الربيع بزينب ابنة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم أسلم سنة ثمان.
__________________
(١) منصوب على الحال.