ـ ويمدّوا إليكم أيديهم بالضرب والأذى والقتل وغير ذلك من صنوف الاعتداء ، وينالوكم بألسنتهم وكلماتهم سبّا وقذفا وشتما وبكل إساءة.
ـ ويتمنّوا ارتدادكم وكفركم بربّكم ورجوعكم إلى الكفر ، فهم يحرصون على ألا تنالوا خيرا ، فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة ، فكيف توالون مثل هؤلاء الذين يبتدءونكم بالعداوة والسوء؟! ورابطة الدين والإيمان أنفع لكم من رابطة القرابة والموالاة ، فلن تفيدكم يوم القيامة أقاربكم وأولادكم ، حتى توالوا الكفار لأجلهم ، كما وقع في قصة حاطب ابن أبي بلتعة التي هي سبب نزول هذه الآيات ، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار ، وترك موالاتهم ، وتوثيق صلات الإيمان وأخوة الدين ، لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ٤٩ / ١٠]. ففي الآخرة يفرّق الله بينكم ، فيدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معصيته النار ، والله مطّلع على أعمالكم ، ومبصر بها ، ومجازيكم عليها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.
والقصد من هذه الآية : أن القرابة النّسبية لا تنفع شيئا عند الله تعالى ، إن أراد الله بكم سوءا ، ولن تفيدكم القرابة إذا أرضيتموها بما يسخط الله ، ومن وافق أهله على الكفر ، فقد خاب وخسر وضلّ عمله ، ولو كان قريبا لنبي أو منسوبا لآل البيت الطاهرين ، لقوله تعالى في الأبوين : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) [لقمان : ٣١ / ١٥]. هذا في الدنيا.
وأما في الآخرة فيقول الله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (١٠١) [المؤمنون : ٢٣ / ١٠١]. ويقول سبحانه : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٦٧) [الزّخرف : ٤٣ / ٦٧].
ألا إن المودّة لا تنفع يوم القيامة إن لم تكن فيما يرضي الله ، حبّا ومعاداة ، لانفصال كل اتّصال يومئذ ، واعتماد كل إنسان على ما قدّم لنفسه.