أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : أسلم ناس من أهل قريظة ، وكان فيهم منافقون ، وكانوا يقولون لأهل النضير : «لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم» فنزلت هذه الآية فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ ..) نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ، ورفاعة بن التابوت ، وقوم من منافقي الأنصار.
والمعنى : ألم تنظر نبي الله إلى هؤلاء القوم من المنافقين كعبد الله بن أبي ، وعبد الله بن نبتل ، ورفاعة بن زيد ، وأمثالهم ، حين بعثوا إلى يهود بني النضير : أن اثبتوا وتحصّنوا ، أو تمنّعوا ، فإننا لا نسلمكم ، وإن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، ولا نطيع في شأنكم ومن أجلكم أحدا ممن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم كمحمد وأتباعه ، وإن طال الزمان ، وإن قوتلتم لننصرنكم على أعدائكم ، وكانوا كذبة فيما قالوا من ذلك ، والله يشهد إنهم لكاذبون فيما وعدوهم به من الخروج والنصرة ، إما لنيّتهم المبينة ألا يفوا بما وعدوا به ، وإما لأنهم لا ينفّذون ما قالوا.
ثم فصّل الله تعالى أخبارهم الكاذبة ومواقفهم الخادعة ، فقال : (لَئِنْ أُخْرِجُوا) أي تالله لئن أخرج يهود بني النضير من ديارهم ، لا يخرج معهم المنافقون ، ولئن قاتلهم المؤمنون لا يقاتلون معهم ، ولئن قاتلوا معهم ، لفرّوا هاربين منهزمين ، ثم لا يصير الفريقان من المنافقين واليهود منصورين بعد ذلك ، بل يذلّهم الله ويخذلهم ، ولا ينفعهم نفاقهم.
إنكم أنتم أيها المسلمون أشدّ خوفا ورهبة في صدور المنافقين واليهود من رهبة الله ، فهم يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ، بسبب أنهم قوم لا يعلمون قدر عظمة الله ، حتى يخشوه تمام الخشية ، ولو فقهوا لعلموا أن الله تعالى أحقّ بالرّهبة منه دونكم.