الآية الأولى نزلت في قوم من اليهود ، نهاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن التّناجي بحضرة المؤمنين ، وإظهار ما فيه ريبة من ذلك ، فلم ينتهوا ، فنزلت هذه الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيّان قال : كان بين النّبي صلىاللهعليهوسلم وبين اليهود موادعة ، فكانوا إذا مرّ بهم رجل من الصحابة ، جلسوا يتناجون بينهم ، حتى يظنّ المؤمن أنهم يتناجون بقتله ، أو بما يكرهه ، فنهاهم النبي صلىاللهعليهوسلم عن النجوى ، فلم ينتهوا ، فأنزل الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) الآية. وقال ابن عباس : نزلت في اليهود والمنافقين.
والمعنى : ألم تعلم وتنظر إلى الذين نهيتهم عن التّناجي والمسارّة بالسوء ، ثم عودتهم إلى ما نهيتهم عنه ، وهم اليهود والمنافقون ، كما ذكر في سبب النزول. ويتسارّون فيما بينهم بما هو معصية وذنب كالكذب ، واعتداء وظلم للآخرين ، وعدوان على المؤمنين ، وتواص بمخالفة النبي صلىاللهعليهوسلم.
وإذا أتى إليك بعض اليهود حيّوك بتحية سوء ، لم يحيّك بها الله مطلقا ، فيقولون :
السّام عليكم يا محمد ، والسّام : الموت ، يريدون بذلك السّلام في الظاهر ، وإنما يعنون الموت في الباطن ، فيجيبهم النّبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : وعليكم ، فسمعتهم عائشة رضي الله عنها يوما ، فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، فقالت : بل عليكم السّام واللعنة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مهلا يا عائشة ، إن الله يكره الفحش والتّفحش ، قالت : أما سمعت ما قالوا؟ قال : أما سمعت ما قلت لهم؟ إني قلت : وعليكم.
ثم كشف الله تعالى خبث طويتهم والحجة التي إليها يستريحون ، وذلك أنهم كانوا يقولون ، أي المنافقون وبعض اليهود الذين تخلّقوا بخلقهم ، : نحن الآن نلقى محمدا بهذه الأمور التي تسوؤه ولا يصيبنان سوء ، ولا يعاقبنا الله تعالى بذلك ، ولو كان نبيّا لهلكنا بهذه الأقوال ، وجهلوا أن أمرهم مؤخر إلى عذاب جهنم ، فأخبر الله تعالى بذلك ، وأنها كافيتهم ، أي إنهم قالوا ذلك المقال ، فجاوبهم الله : بأن جهنم تكفيهم ، يدخلونها ، فبئس المرجع والمآل : وهو جهنم.