أكثر من الآخرين الذين عبّر عنهم بالقليل ، والأولون : هم في رأي مكي وغيره الأنبياء الذين كانوا في صدر الدنيا أكثر عددا. أو هم في رأي الحسن وغيره السابقون من الأمم ، والسابقون من هذه الأمة (أتباع النّبي صلىاللهعليهوسلم).
أخرج أحمد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال : لما نزلت : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (١٤) شقّ ذلك على المسلمين ، فنزلت : (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٤٠).
ولا أرى تعارضا بين هذه الآيات ، فهي في السابقين المقرّبين ، وآية : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٤٠) فهي في أصحاب اليمين.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها تأوّلت أن الفريقين في أمة كل نبي : هي في الصّدر ثلة ، وفي آخر الأمة قليل. وروى سفيان الثوري عن أبان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النّبي صلىاللهعليهوسلم : «الثّلّتان جميعا من أمّتي».
وحال هؤلاء المقرّبين : هم في الجنة متكئون على أسرّة منسوجة بخيوط الذهب ، مشبكة بالدّر والياقوت والزّبرجد ، في حال التقابل ، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ، وهم في حبور وسرور ، وصفاء واطمئنان.
ـ يدور عليهم للخدمة غلمان باقون على صفة واحدة ، لا يهرمون ولا يتغيرون ، ولا يبعد أن يكونوا كالحور العين مخلوقين في الجنة ، للقيام بهذه الخدمة.
ـ يطوفون على أهل الجنة السابقين بأكواب لا عرى لها ولا خراطيم ، وبأباريق لها العرى والخراطيم ، وبكؤوس مترعة من خمر الجنة الجارية من الينابيع والعيون ، ولا تعصر عصرا كخمر الدنيا ، فهي صافية نقية من الكحول المسكر ، لا تتصدّع رؤوسهم من شربها ، ولا يسكرون منها ، فتذهب عقولهم.