ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)) (١) (٢) [الطور : ٥٢ / ٤٤ ـ ٤٩].
كانت قريش في جملة ما اقترحت تحقيقه : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) [الإسراء : ١٧ / ٩٢]. فإن ير هؤلاء المشركون قطعا من نار السماء ساقطة عليهم لتعذيبهم ، لما صدّقوا ولما أيقنوا ، ولما انتهوا عن كفرهم ، وإنما يقولون : هذا سحاب متراكم بعضه على بعض ، نرتوي به ، وهذا مثل حسي للمكابرة ، لإنكارهم ما تبصره الأعين ، مفاده : لو رأوا كسفا ساقطا حسب اقتراحهم ، لبلغ بهم الغلو والبعد عن الحق أن يغالطوا أنفسهم وغيرهم.
فإذا كان هذا شأنهم ، ولم يتركوا كفرهم ، فدعهم أيها الرسول ، ولا تأبه بهم ، حتى يأتي يوم مصرعهم أو موتهم أو قتلهم ، مثل يوم بدر. والصعق : التعذيب في الجملة.
وذلك اليوم هو اليوم الذي لا ينفعهم فيه مكرهم ولا كيدهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في الدنيا ، ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم ، ولا ينصرهم ناصر ، بل هو واقع بهم لا محالة.
وإن للظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي ، ومكايدة النبي وعبادة الأوثان ، عذابا دون أو قبل عذاب الآخرة ، وهو إما قتلهم يوم بدر والفتح ونحوهما ، وإما مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام ، وإما عذاب القبر أو الجوع والقحط ، غير أن أكثرهم لا يعلمون ما سينزل بهم من العذاب والبأس. وهذا كما في آية أخرى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢١) [السجدة : ٣٢ / ٢١].
__________________
(١) أي لأمره في الإنذار والتبليغ ، وانتظار وعده.
(٢) بحراستنا وحفظنا.