خوفا منهم ، على عادة الناس أن الامتناع عن الطعام يبيّت شرا ، وأن تناول الطعام أمان للمضيف ، ودليل على سرور الضيف ، فظن إبراهيم عليهالسلام أنهم جاؤوا للشر ، لا للخير ، فقالوا له : إننا ملائكة رسل من الله تعالى ، وبشروه بغلام يولد له ، بالغ العلم : وهو إسحاق عليهالسلام في رأي الجمهور ، فأقبلت امرأته سارّة ، لما سمعت بشارتهم ، صائحة صارخة ، وضربت وجهها بيدها ، كعادة النساء عند التعجب ، وقالت : كيف ألد ، وأنا كبيرة السن ، وعقيم لا تلد ، حتى في عهد الشباب؟!
قالت الملائكة : مثلما قلنا لك قال ربك ، فلا تشكّي في ذلك ، ولا تعجبي منه ، فنحن رسل الله ، والله على كل شيء قدير ، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله ، العليم بما تستحقونه من الكرامة وبكل شيء في الكون ، وكان هذا الحوار مع كل من إبراهيم عليهالسلام ، وزوجته سارّة.
ثم سألهم إبراهيم عليهالسلام قائلا : فما شأنكم الخطير ، وأمركم المبهم؟ وكأنه يقول : ما هذه الطامة التي جئتم لها؟ فأخبروه حينئذ أنهم أرسلوا إلى سدوم قرية لوط عليهالسلام ، بإهلاك أهلها الكفرة العاصين المجرمين ، والمجرم : فاعل الجرائم : وهي صفات المعاصي من كفر ونحوه ، لنهلكهم بحجارة من طين متحجر ، مطبوخ بالنار ، كالآجرّ ، معلّمة بعلامتها من السماء ، تعرف بها ، كالخواتيم ، على كل حجر اسم المضروب به ، كما قيل ، مخصصة عند الله لهلاك المتمادين في الضلالة ، المجاوزين الحد في الفجور.
ولم يكن هذا العذاب عشوائيا يصيب الجميع ، وإنما فيه تمييز المؤمنين عن المجرمين ، فلما أردنا إهلاك قوم لوط ، أخرجنا من كان في تلك القرية المؤمنين برسالة لوط عليهالسلام ، تنحية لهم من العذاب ، فلم نجد غير أهل بيت واحد أسلم وجهه لله تعالى ،