وكانوا في الجزء الأخير من الليل يطلبون من الله تعالى المغفرة ، قائلين : اللهم اغفر لنا وارحمنا ، أي إنهم كانوا يحيون أكثر الليل متهجدين ، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار ، كأنّهم باتوا في معصية.
وجعلوا في أموالهم جزءا مقسوما معينا للفقراء والمحتاجين ، على سبيل البر والصلة ، والسائل : هو الفقير الذي يسأل. والمحروم : هو الذي حرم المال ويتعفف عن السؤال. وهذا الجزء الذي جعلوه للفقراء : هو على وجه الندب ، لا على وجه الفرض ، ومعلوم : يراد به متعارف. وكذلك قيام الليل الذي مدحوا به ليس من الفرائض ، وأكثر ما تقع الفضيلة بفعل المندوبات.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سرية ، فأصابوا وغنموا ، فجاء قوم بعد ما فرغوا ـ لم يشهدوا الغنيمة ـ فنزلت الآية : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١٩).
وبعد هذا البيان ، يوجد كلام مقدّر تقديره. فكونوا مثلهم أيها الناس ، وعلى طريقتهم ، فإن النظر المؤدي لهذا التقدير له وجه جيد.
ثم ذكر الله تعالى بعض الأدلة على قدرته الدالة على وقوع الحشر ، فقال : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) أي وفي معالم الأرض من جبال ووديان وقفار ومعادن ، وعيون وأنهار وبحار ، وأنواع مختلفة من النبات والحيوان والناس ، مع اختلاف ألسنتهم وألوانهم ، وقدراتهم الفكرية والجسدية وغير ذلك ، من عجائب الصنع الإلهي ، في ذلك دلائل واضحة ، وعلامات ظاهرة على عظمة الخالق وقدرته الباهرة ، للذين يوقنون بالله تعالى ، لأنهم الذين يعترفون بذلك ، ويتدبرون فيه ، فينتفعون به.
ومن أدلة قدرة الله وتوحيده : خلق النفوس البشرية ، أفلا تنظرون نظرة متأمل