أقسم الله تعالى لتأكيد قضية الإيمان بالبعث : بهذه المخلوقات ، وللتنبيه عليها ، والتشريف لها ، والاعتبار بها ، حتى يتوصل الناظر فيها إلى التوحيد ، فقال : أقسم لإثبات الحشر بالرياح التي تذرو التراب وغيره وتفرقه ، وبالسحب الحاملة الماء الثقيل ، وبالسفن الجارية بيسر وسهولة فوق الماء ، وبالملائكة التي تقسم الأرزاق والأمطار والآجال بين المخلوقات ، بأن الموعود به من الحشر إلى الله تعالى ، ووقوع المعاد ، صادق واقع ، وأن الجزاء بالثواب والعقاب قائم فعلا حتما. والحاجة إلى هذا القسم : الاعلام بصدق النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجريا مع اعتقاد العرب أن الإيمان الكاذبة تذر الديار بلاقع (خرائب) وتضر صاحبها ، فالحلف لزرع الثقة التامة ، وبخاصة أنهم يعلمون أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لا يحلف كاذبا.
والسماء ذات الطرائق والممرات ، أو ذات الخلق السوي القوي ، إنكم يا جماعة قريش مختلفو الأقوال ، مضطربو الكلام ، فمرة تقولون في القرآن والرسول : شعر وشاعر ، وأحيانا سحر وساحر ، وتارة كهانة وكاهن أو مجنون. وإنما يصرف عن هذا القرآن والإيمان به وبرسوله وعن الخير إلى الشر ، من صرف في علم الله تعالى.
قبح أو لعن الكذابون أصحاب القول المختلف ، المرتابون في وعد الله ووعيده ، الذين هم في جهالة تغمرهم ، وغفلة في الكفر تخيم عليهم ، والغمرة : كل ما ستر الشيء وغطّاه.
يسألك المشركون تكذيبا وعنادا واستهزاء قائلين : متى يوم الجزاء؟ فقل لهم : إنه يوم يعذب الكفار ويحرقون في نار جهنم. وقوله : (يُفْتَنُونَ) بمعنى يحرقون ويعذبون في النار ، يقال : فتنت الذهب : أحرقته لتختبره ، وقوله (يَوْمَ هُمْ) منصوب على الظرف من مقدّر ، تقديره : هو كائن يوم هم على النار ، أو نحو هذا ، كما قال الزجاج.
وتقول لهم خزنة النار : ذوقوا عذابكم أو حريقكم ، هذا العذاب الذي كنتم