هدّد الله كفار قريش بأن يعاقبهم بمثل ما عاقب به الأمم السابقة قبلهم ، الذين كذّبوا الرسل ، فعذبهم بالطوفان كقوم نوح عليهالسلام ، أو بالغرق في البحر كفرعون وقومه ، أو بريح شديد عاتية كعاد قوم هود عليهالسلام ، أو بالريح الحصباء وخسف الأرض ، كقوم لوط عليهالسلام ، أو بالصيحة الواحدة من جبريل عليهالسلام : وهم ثمود قوم صالح عليهالسلام ، وأهل مدين قوم شعيب ، وأصحاب الرسّ باليمامة ، وأصحاب الأيكة ، قوم شعيب عليهالسلام ، أو بخسف الأرض وهو قارون وأصحابه ، أو بالإحراق بالنار وهم حمير قوم تبّع ، وتبّع : اسم لكل من ملك حمير باليمن ، مثل كسرى في الفرس ، وقيصر في الروم.
كل هؤلاء كذبوا رسلهم الذين أرسلوا إليهم ، فوجب عليهم الوعيد ، وحقت عليهم كلمة العذاب على التكذيب.
وكان تبّع (أسعد أبو كرب) أحد التبابعة رجلا صالحا ، صحب حبرين ، فتعلّم منهما دين موسى عليهالسلام ، فأنكر قومه عليه ذلك ، فندبهم إلى محاجّة الحبرين ، فوقعت بينهما محاجّة عظيمة ، واتفقوا على أن يدخل جميعهم النار التي في القربان ، فمن أكلته النار فهو المبطل ، فدخلوا فاحترق قوم تبّع ، وخرج الحبران تعرق جباههما ، فهلك القوم المخالفون ، وآمن سائر قوم تبّع بدين الحبرين (١). وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تلعنوا تبّعا فإنه كان قد أسلم».
والدليل على إمكان البعث : أفعجزنا بالخلق المبتدأ الأول (بدء الخلق) حين خلقناهم ولم يكونوا شيئا ، فكيف نعجز عن بعثهم وإعادتهم مرة أخرى؟ بل هم في
__________________
(١) المحرر الوجيز لابن عطية ١٣ / ٥٣٧ وقال : وفي الحديث اختلاف كثير أثبتّ أصح ذلك على ما في سير ابن هشام.