لتشكروه ، ولتكون تلك النعم علامة للمؤمنين ، يعلمون بها صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم في جميع ما يعدهم به ، وليثبّتكم على طريق الهداية إلى الطريق القويم : طريق الحق ، وطاعة الله ورسوله. ووعدكم أيضا غنائم وفتوحات أخرى ، غير صلح الحديبية وفتح خيبر ، لم تكونوا تقدرون عليها الآن ، قد أحاط الله بها علما ، أنها ستؤول إليكم ، وتفتحونها وتأخذونها ، مثل غنائم هوازن في معركة حنين ، وفتوحات فارس والروم ، وقد تحقق كل ذلك ولله الحمد ، وأنجز الله وعده ، وكان وما يزال على كل شيء قديرا مقتدرا ، لا يعجزه شيء.
ولو بادركم بالقتال كفار قريش بالحديبية ، لنصر الله تعالى رسوله وعباده المؤمنين عليهم ، ولانهزموا هزيمة منكرة ، فارّين هاربين ، ثم لا يجدون حارسا وحاميا ، يحرسهم ويواليهم على قتالكم ، ولا ناصرا معينا ينصرهم عليكم.
تلك سنة الله الدائمة في نصره جيش الإيمان على جيش الكفر ، وإعلاء كلمة الحق وإبطال الباطل ، على الرغم من عدم تكافؤ القوى ، مثل النصر يوم وقعة بدر ، وتلك السنة مستمرة ثابتة ، لا تغيير لها.
والله تعالى بكرمه وفضله : هو الذي كف أيدي المشركين عن المسلمين ، وأيدي المسلمين عن المشركين ، لما جاؤوا يصدّون رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجنوده عن البيت الحرام ، عام الحديبية ، في داخل مكة وحدودها ، حيث هبط ثمانون رجلا ، كما تقدم ، على النبي صلىاللهعليهوسلم من جبل التنعيم ، متسلحين بكامل أسلحتهم ، يريدون مباغتة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأخذهم المسلمون ، ثم تركوهم. وهذا امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين ، بكف المشركين عنهم ، وكف المسلمين عن قتال أعدائهم. وكان الله وما يزال بصيرا بأعمال عباده المؤمنين والمشركين ، لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وكانت هذه الحملة مرسلة من قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل ، فلما أحسّ بهم