هذه الآية ، (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) ، ثم قال مشركو مكة حينما رأوا إيمان جماعة من الفقراء المستضعفين ، كعمار وصهيب وابن مسعود : لو كان هذا الدين خيرا ، ما سبقنا إليه هؤلاء ، وحين لم يهتدوا بالقرآن ظهر عنادهم ، وسيقولون بعدئذ : هذا كذب مأثور عن الأقدمين. نزلت كما أخرج الطبري عن قتادة قال : قال ناس من المشركين : نحن أعز ، ونحن ونحن ، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فنزل : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) وقال قتادة أيضا : هي مقالة أشراف قريش ، يريدون عمارا وصهيبا وبلالا ونحوهم ممن أسلم ، وآمن بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومما يدل على أن القرآن حق وصدق ، وأنه من عند الله : اعترافكم أيها المشركون بإنزال التوراة على موسى ، الذي هو إمام وقدوة يقتدى به في الدين ، وهو رحمة لمن آمن به ، وهذا القرآن الموافق للتوراة في أصول الشرائع ، مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب المتقدمة ، أنزله الله لينذر به النبي من عذاب الله الذين ظلموا أنفسهم ، وهم مشركو مكة ، ويبشّر به المؤمنين الذين أحسنوا عملا.
ثم ذكر الله تعالى حال المؤمنين ، وجزاءهم الأخروي ، فإن الذين جمعوا بين التوحيد والاستقامة على منهج الشريعة ، لا يخافون من وقوع مكروه بهم في المستقبل ، ولا يحزنون من فوات محبوب في الماضي. والخوف : هو الهمّ بما يستقبل ، والحزن : هو الهمّ بما مضى ، وقد يستعمل فيما يستقبل استعارة ، لأنه حزن لخوف أمر ما.
أولئك المؤمنون الموحدون المستقيمون على أمر الله : هم أهل الجنة ماكثون فيها على الدوام ، مقابل ما قدموه من أعمال صالحة في الدنيا ، أي إن الجزاء بسبب العمل الصالح في الدنيا ، على منهج العدل والحق. وهذا دليل على أن الله تعالى جعل الأعمال أمارات على جزاء الإنسان ، لا أنها توجب على الله تعالى شيئا ، لكن لا يكون دخول الجنة إلا بفضل من الله وإحسان.