الكلام عن القرآن ، وقد أقسم الله تعالى بالقرآن البيّن الواضح ، الجلي المعاني ، الذي أبان طريق الهدى والنور.
فكلمة (المبين) إما من (أبان) أي ظهر ، فلا يحتاج إلى مفعول ، وإما من (بان) وهذا يحتاج إلى مفعول تقديره : المبين الهدى والشرع ونحوه.
ومن أجل إفهام العرب وتدبر معانيه ، جعلناه منزلا بلسان عربي فصيح واضح ، لتتعقلوا آياته ، فلا يعسر فهمها وإدراكها ، والتعرف على أسرارها وإعجازها ، وجعلناه بلسانكم لئلا يبقى لكم عذر ، وهذا هو المقصود من قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فهو ترجّ بحسب معتقد البشر ، فمن تدبّر الآيات يرجى منه أن يعقل ويفهم الكلام. وأم الكتاب : اللوح المحفوظ ، فإنه أصل جميع الكتب السماوية ، وفي هذا تشريف للقرآن وترفيع.
وإن هذا القرآن عند الله رفيع القدر ، عالي الشأن في البلاغة والإرشاد وغير ذلك ، ومحكم النظم ، لا لبس فيه ، ولا اختلاف أو تناقض ، كما جاء في آية أخرى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٥ / ٤٨]. وآية : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٤ / ٨٢].
وهل نترككم أيها العرب وغيركم من غير تذكير ، ولا وعظ ، ولا أمر ولا نهي ، لأنكم مسرفون في الإنكار والتكذيب؟ أو أنهملكم ونبعد الذكر عنكم ، ونمسك عن إنزال القرآن لكم ، لأنكم تجاوزتم الحدود المعقولة في أعمالكم؟ وقوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) صفحا : مصدر ، مفعول مطلق لنضرب من غير لفظه ، مثل : قعدت جلوسا.