في الآية الأولى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ) عشرة أوامر ونواه ، كل واحد منها مستقل بذاته ، أولها أمران : ادع أيها الرسول إلى مبدأ وحدة الدين المتفق عليه ، واستمر على هذه الدعوة ، واستقم على عبادة الله ، وتبليغ الرسالة ، فهي شملت جميع الطاعات وتكاليف النبوة ، هذا مع العلم بأن النبي بحسب قوته في تنفيذ أمر الله تعالى مطالب بتمام الاستقامة ، وهذا ما دعاه أن يقول : «شيبتني هود وأخواتها» لأن فيها (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (١) [هود : ١١ / ١١٢] وأما أمته فقال لهم النبي بحسب ضعفهم : استقيموا ولن تحصوا. (٢)
ثم جاء النهي : وهو لا تتبع أيها الرسول أهواء المشركين فيما افتروه واخترعوه من عبادة الأصنام والأوثان ، ووقعوا فيه من شكوك وتحريفات. ثم أمر الله نبيه أن يقول : صدّقت بجميع الكتب المنزلة من السماء التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله ، من التوراة والإنجيل والزبور ، وصحف إبراهيم وموسى وشيث.
وأمر الله نبيه أن يعلن أيضا بأن يعدل بين الناس مهما اختلفت أديانهم بالحق والعدل ، في القضاء والحكم إذا ترافعوا إليه.
وأمره أيضا أن يقول : ليس الله إلها لشعب دون شعب أو قوم دون قوم ، كما يعتقد اليهود بأن الإله هو إله بني إسرائيل ، فالله المعبود بحق لا إله غيره ، هو إله المسلمين وربهم ، وإله غيرهم ، وخالقهم وخالق الناس جميعا.
وأخبر الله تعالى أن ثواب أعمال المسلمين وعقابهم خاص بهم ، لا يتحملها عنهم غيرهم ، وكذلك ثواب أعمال غيرهم وعقابها خاص بهم ، ويبرأ كل فريق من الآخر
__________________
(١) أخرجه الترمذي.
(٢) أخرجه مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي عن ثوبان ، وقوله : «ولن تحصوا» مأخوذ من قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي لن تطيقوا عده وضبطه.