العرب حسدوه. أي إن تفرقهم واختلافهم لم يكن لاشتباه الأمر عليهم ، بل بعد وضوح الحق والصواب ، ومجيء الدليل المرشد إلى الدين الصحيح ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم الذي جاء بالقرآن ، موافقا لما عندهم من الكتاب بنعته وصفته ، فلما بعثه الله ، تفرقوا في الدين ، فآمن به بعضهم ، وكفر به آخرون ، وكان عليهم الاتفاق على طريقة واحدة ، كما كانوا يعتقدون ، من اتباع دين الله ، ومتابعة رسول الله.
ثم وبخهم الله على انحرافهم عن جوهر الدين : وهو إخلاص العبادة لله ، فقال : (وَما أُمِرُوا) أي انهم تفرقوا واختلفوا ، مع أنهم لم يؤمروا في جميع كتب الله إلا بعبادة الله وحده ، عبادة خالصة ، لا يشركون به شيئا ، يخلصون العبادة لله تعالى ، مائلين عن الأديان كلها إلى الإسلام ، ويؤدون الصلاة على الوجه الأتم الذي أراده الله ، ويؤتون الزكاة لمستحقيها عن طيب نفس كل عام ، وذلك هو دين الملة القويمة.
ثم وجه الله تعالى الوعيد للكفار ، وأصدر الوعد للمؤمنين. إن جزاء الذين كفروا بالله ، وخالفوا كتب الله من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) والمشركين الوثنيين هو نار جهنم المستعرة ، يصيرون إليها ، ماكثين فيها على الدوام ، وهم شر الخليقة مصيرا ، لتركهم الحق حسدا وبغيا. ولم يقل : (أبدا) لأن رحمة الله أزيد من غضبه ، وقال : (هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) لإفادة النفي والإثبات ، أي هم دون غيرهم.
وإن الذين آمنوا بقلوبهم بربهم ، وصدقوا بكتبه ورسله واليوم الآخر ، وعملوا صالح الأعمال من أداء الفرائض والطاعات ، هم خير الخليقة ، حالا ومآلا. وجزاؤهم يوم القيامة عند خالقهم على ما قدموا من حسن الاعتقاد وصلاح العمل : جنات إقامة دائمة (بساتين) تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار ، ماكثين فيها على الدوام ، رضي الله عنهم لإطاعتهم أوامره وقبولهم شرائعه ، ورضوا عنه ، بما تفضل الله عليهم من حسن الثواب والجنان ، وتحقيق المطالب والآمال والأحلام.