هذه صيحة الحق تقض مضاجع السادرين وهم المتحيرون الذين لا يبالون ولا يهتمون بما يصنعون ، لتوقظ فيهم مشاعر الإحساس ، وتنبه فيهم مفاتح الإدراك ، فليس بعد نزول القرآن عذر لمن بقي على شرك أو كفر ، ولا سبب لتقصير أو إهمال.
وقد احترم القرآن ما كانوا عليه في الماضي ، إذ لا بيان ولا حجة ظاهرة. لذا افتتحت سورة البينة بهذا الإنذار. لم يكن الذين جحدوا رسالة القرآن والنبي العربي الهاشمي ، من اليهود والنصارى ، وعبدة الأصنام والأوثان من مشركي العرب وغيرهم ، منفكين عن الكفر والضلال ، مفارقين كفرهم الموروث ، منتهين عما هم عليه من الاعتقاد ، حتى تأتيهم الحجة الواضحة ، وهي القرآن الكريم ، ورسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم. ففي القرآن والرسالة النبوية : بيان الجهالة والضلالة ، والدعوة إلى الإيمان.
والمراد من تلك البينة أو الحجة : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين ، يقرأ عليهم ما تتضمنه صحف القرآن ، المطهرة من الخلط والكذب ، والشبهات والضلال ، والتحريف واللّبس. والتي فيها الحق الصريح ، وفيها ، أي سورة البينة أحكام كتب قيمة ، أي قائمة معتدلة ، آخذة للناس بالعدل ، أي فيها الآيات والأحكام المكتوبة المستقيمة المستوية المحكمة ، والصلاح والرشاد ، والحكمة والهدى. والمراد من الآية : ما كان هؤلاء القوم ليتركوا سدى. والبينة : القصة البينة والجليلة. و (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (٣) فيه حذف مضاف ، تقديره : فيها أحكام كتب قيمة ، تقوم بالحق والعدل.
ثم ذم الله تعالى المخالفين بقوله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ..) أي لا داعي للأسف ، فإن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) لم يتفرقوا في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم إلا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة ، وكانوا من قبل متفقين على نبوته وصفته ، فلما جاء من