صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)) (١) (٢) [النّمل : ٢٧ / ٣٨ ـ ٤٤].
حينما اقترب موكب الملكة بلقيس من بلاد الشام ، جمع سليمان عليهالسلام جنوده من الجنّ والإنس ، فقال للملأ من الجنّ والإنس : يا أيها الملأ السّادة الأعوان ، من منكم يأتيني بعرش (سرير) بلقيس قبل وصولها إلينا مع وفدها منقادين طائعين ، ليكون ذلك دليلا على صدق النّبوة والرّسالة ، ومعجزة إلهية تدرك منها أن مملكتها صغيرة أمام عجائب صنع الله وروائع قدرته؟
قال مارد من الشياطين : أنا أحضره إليك قبل الانتهاء من مجلس القضاء والحكم ، وكان يمتدّ إلى منتصف النهار ، وإني قادر على ذلك غير عاجز ، أمين عليه غير خائن ، لا آخذ منه شيئا.
فقال سليمان : أريد أسرع من ذلك ، لبيان عظمة ما وهبه الله من الملك ، وتسخير الجنّ ، وكثرة الجند ممن لم يسبقه إليه أحد. فقال أحد علماء أسرار الكتاب الإلهي وهو جبريل أو غيره : أنا أحضره في لمح البصر ، قبل أن يرجع إليك نظرك ، وقبل أن تغمض عينيك وتفتحهما ، فلما فعل ، ورأى سليمان وجماعته أمامه وجود سرير بلقيس الذي حمله من بلاد اليمن إلى بلاد الشام قال : هذا من نعم الله علي ليختبرني ، هل أشكر فضله علي ، الذي آتاني من غير حول مني ولا قوة ، أو أجحد فأنسب العمل لنفسي. ومن شكر النعمة ، فإن نفع شكرها عائد إليه ، لا إلى الله المنعم ، لأنه بالشكر تدوم النّعم ، ومن جحد النعمة فلم يشكرها ، فإن الله غني عن عباده وعن عبادتهم وشكرهم ، لا يضرّه كفرانهم ، كريم في نفسه ، عزيز في ذاته ، وإن لم يعبده أحد ، لا يزيل النّعمة عن عباده إذا أعرضوا عن شكره.
__________________
(١) مملّس.
(٢) من زجاج شفاف.