الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)) [النّمل : ٢٧ / ١٥ ـ ١٩].
المعنى : تالله لقد أعطينا كلّا من داود وسليمان علما نافعا ، هو علم الشرائع والأحكام وفصل القضاء بين الناس ، وعلّمنا داود صنعة الدروع ، وقال كلّ منهما : الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من عباد الله المؤمنين الصالحين بهذه العلوم والمعارف المفيدة في الدنيا والآخرة.
وخلف سليمان أباه داود بعد موته في ميراث النّبوة والعلم والملك ، أي صار إليه ذلك بعد موت أبيه ، ويسمى ميراثا تجوّزا. أما ميراث المال : فلم يقع ، لأن الأنبياء لا تورث أموالهم ، قال النّبي صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة». وفي رواية أحمد عن أبي هريرة : «إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركت بعد مؤنة عاملي ، ونفقة نسائي ، صدقة».
وقال سليمان متحدّثا بنعمة الله عليه : يا أيها الناس علّمنا الله منطق الطير والحيوان إذا صوّت ، وأعطينا خيرا كثيرا من كل شيء في الدين والدنيا ، من ملك وثروة ، أي أعطينا ما يصلح لنا ونتمنّاه ، ولا يراد به العموم ، إن هذا المؤتى من الخيرات والنّعم من النّبوة والملك والحكم لهو الفضل الإلهي الظاهر البيّن الذي لا يخفى على أحد ، وهو فضل الله علينا ، فإن فهم المعاني من أصوات الطير ، التي في نفوسها أمر يحتاج إلى الشكر ، وهذا نحو ما كان عليه نبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم يسمع أصوات الحجارة بالسّلام. وسمع سليمان أن البلبل قال : «أكلت نصف تمرة ، فعلى الدنيا العفاء».
ومن نعم الله على سليمان : أنه جمع الله له جنوده من الجنّ والإنس والطير ، فكان ملكه عظيما ملأ الأرض ، وانقادت له المعمورة كلها ، وكان كرسيّه يحمله