ثم ردّ الله تعالى على كفّار قريش في قولهم : إن القرآن من تلقاء محمد بن عبد الله ، ومضمون الرّد : أنك أيها الرسول تتلقّى القرآن وتتعلّمه من عند أو من جهة حكيم في أمره ونهيه ، وتدبير خلقه ، عليم بالأمور جليلها وحقيرها ، وبأحوال خلقه وما فيه خيرهم ، وخبره تعالى موافق للصدق المحض ، وحكمه : هو العدل التام ، كما جاء في آية أخرى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)) [الأنعام : ٦ / ١١٥].
إن أدنى نظرة وأبسط تأمّل من كل إنسان يدرك تمام الإدراك أن القرآن من عند الله تعالى ، لأن عظمته وإعجازه وبلاغته تثبت كونه كلام الله. ومن آمن بالقرآن ، بادر إلى اتّباع ما جاء فيه ، فعمل لما بعد الدنيا ، وبنى لنفسه جسور القبول والنجاة بالإيمان بالله وآخرته ، وبالعمل الصالح ، وأداء العبادات من صلاة وصيام وحجّ وزكاة. ومن جحد بالقرآن ، ظلّ فريسة الضلالة والضياع والدمار ، ولم يهتد إلى حقّ أو خير ، فكان من عدل الله مكافأة الفريق الأول : أهل الإيمان بالجنّة ونعيمها ، وتعذيب الفريق الثاني : أهل الجحود والكفران بنيران الجحيم وأهوالها.
خبر موسى عليهالسلام بالوادي المقدّس
قصّ الله تعالى علينا خبر موسى عليهالسلام في القرآن الكريم في سور كثيرة ، للتذكير بقصته والاعتبار بما جاء فيها من عبر وعظات ، والتأكيد على تأييده في بدء الوحي عليه بالمعجزات الباهرة لتصديقه ، فقوبل بالجحود والإنكار ، مع استيقان القوم بها ، فاستحقّوا العقاب الأليم ، وفي هذا إيناس للنّبي صلىاللهعليهوسلم بسبب صدود قومه أهل مكة عن دعوته ، وتوبيخ للمفسدين ، وإنذار للجناة الذين يقابلون دعوة الحق بالرّفض ، وهذا ما ذكرته الآيات الآتية :