بالإتيان بمثله ، وإثبات كونه من عند الله سبحانه ، وللتّنبيه إلى مضمون هذه السورة ، وإذا ذكرت هذه الحروف يعقبها عادة الكلام عن القرآن ودلالاته ومقاصده. فهذه الآيات المنزلة على النّبي صلىاللهعليهوسلم هي آيات القرآن وآيات الكتاب الواضح ، والقرآن لأنه اجتمع وجمع في النهاية ، والكتاب لأنه دوّن أو سطّر وكتب ، وعطف الكتاب على القرآن للدلالة على صفتي الكلام المنزل من عند الله ، ثم أبان الله تعالى ليكون هذا القرآن هاديا للناس من الضلالة إلى النور ، ومبشّرا المؤمنين الطائعين بالجنّة ، وبرحمة الله ورضوانه.
ثم وصف الله تعالى المؤمنين بالأوصاف الخليقة بهم ، فهم الذين يقيمون الصلاة ، أي يؤدّونها كاملة الأوصاف من أداء أركانها وشروطها ، واستحضار عظمة الله في أثنائها ، وفي مناجاة الحقّ بما يتلى فيها ، ويذكر الله فيها متّصفا بالعظمة والجلال من خلال تكبيره وتسبيحه في الركوع والسجود ، وإدامة الصلاة على وجهها المقرّر شرعا ، فتكون الصلاة وسيلة لمناجاة الله وعقد الصّلة به.
والمؤمنون أيضا يؤدّون الزكاة المفروضة عليهم ، والتي تطهّرهم من النقائص ، وتحملهم على ملازمة مكارم الأخلاق. وهم كذلك يوقنون على وجه الجزم واليقين بالدار الآخرة والبعث بعد الموت ، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها.
وأما الذين يكذّبون بالآخرة ، ويستبعدون وقوعها بعد الموت في أجلها المتعلّق علمه بالله وحده ، فيزين الله لهم أعمالهم ، أي يحسّنها لهم ، فهم غرقى في الضّلالة ، يتيهون ويتردّدون في ضلالهم ، جزاء على ما كذّبوا به من وقوع القيامة. وتزيين الأعمال : تحبيب الشّرك إليهم ، وخلقه في نفوسهم ، واكتسابهم الكفر.
أولئك المكذّبون الضّالّون لهم جزاء شديد ، وهو العذاب السيئ ، في الدنيا بالهزيمة والإذلال ، وفي الآخرة بالخسارة الشديدة ، لأن عذابهم فيها دائم لا ينقطع ، وخسرانهم في الآخرة أشدّ من خسرانهم في الدنيا.