ألسنة الرسل من الدعوة لعبادتك وحدك لا شريك لك ، وكانوا قوما لا خيرا فيهم ، وهلكى لا نجاة لهم.
فقال الله تعالى للعابدين : لقد كذبكم الذين عبدتم من دون الله فيما زعمتم أنهم لكم أولياء مناصرون ، وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى ، فلا يقدرون ، أي الآلهة المزعومة على صرف العذاب عن العابدين ، ولا الانتصار لأنفسهم بحال من الأحوال. وذلك كما جاء في آية أخرى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦)) [الأحقاف : ٤٦ / ٥ ـ ٦].
وقوله تعالى : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) معناه : لا تستطيعون أيها العابدون غير الله ردّ التكذيب أو العذاب ، ولا مناصرة أنفسكم بنصير ما.
ثم خاطب الله الكفار بقوله : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ..) أي ومن يشرك بالله ، لأن الظلم هو الشرك ، والظالمون : هم المشركون كما جاء في آية سابقة (الفرقان ٨) وقد يشمل اللفظ أهل الفسق ، فيكون المعنى : من يشرك بالله أو يكفر أو يفسق ، نذقه يوم القيامة عذابا شديدا ، لا يعرف قدره ، وعذابا أكبر من أي عذاب آخر. وقد استعمل الظلم في الإشراك في قول الله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ٣١ / ١٣]. واستعمل في الفسق في قول الله سبحانه : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات : ٤٩ / ١١].
إن أدنى نظرة تأمل وتعقل في هذا المشهد يدل لأهل العقول السليمة على أن عبادة غير الله أو مع الله : ضلال وانحراف وعديمة الجدوى ، وأن عقد الآمال على شفاعة الآلهة المعبودة من غير الله سراب خادع ، وضلال واضح.