مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩)) (١) (٢) [الفرقان : ٢٥ / ١٧ ـ ١٩].
هذا مشهد من مشاهد القيامة ، يتميز بالمواجهة الفعلية بين العابدين والمعبودين ، ويتم فيه تقريع الكافرين في عبادتهم غير الله تعالى.
والمعنى : اذكر أيها النبي الرسول لأولئك المشركين يوم يجمعهم الله مع معبوديهم من الإنس ، والملائكة ، والأصنام التي ينطقها الله ، فيقال للمعبودين على سبيل التقرير والتثبيت : أأنتم أوقعتم عبادي في الضلال حقا ، أم هم ضلوا السبيل الصحيح بأنفسهم ، وعبدوكم من أنفسهم ، دون توجيه أو دعوة منكم لهم؟! وقوله تعالى : (وَما يَعْبُدُونَ) يراد به كل شيء عبد من دون الله ، فغلّب العبارة عما لا يعقل من الأوثان ، لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة.
وظاهر السؤال : «أأنتم» من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون ذلك من الملائكة بأمر الله تعالى. فأجاب المعبودون بلسان المقال أو الحال على طريق التعجب مما سئلوا عنه : «سبحانك».
أي تنزيها لك يا رب مما نسبه إليك المشركون ، وما كان يصح لنا بحال أن نتخذ أنصارا من دونك ، فنحن الفقراء إليك ، وليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك ، فنحن ما دعوناهم إلى عبادتنا ، بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم ، من غير أمرنا ولا رضانا ، ونحن أبرياء منهم ومن عبادتهم ، ولكن طال عليهم العمر ، وانشغلوا بالتمتع باللذات والشهوات ، هم وآباؤهم ، حتى نسوا ما أنزلته إليهم على
__________________
(١) بورا : هلكى ، من البوار أي الهلاك.
(٢) دفعا للعذاب.