وإذا كان الحكم في صالح المنافقين جاؤوا لرسول الله سامعين مطيعين ، لعلمهم بأنه لا يحكم إلا بالحق ، فهم جماعة إذن نفعيون انتهازيون ، فهم يعرضون عن حكم النبي صلىاللهعليهوسلم حينما عرفوا الحق لغيرهم أو شكّوا ، ويقبلون حكم النبي ويرضون به ، إذا عرفوا أن الحكم لصالحهم. وقوله : «مذعنين» أي مظهرين للانقياد والطاعة ، وهم إن فعلوا ذلك فهو حينما أيقنوا بالنجاح.
إن تردد المنافقين بين الإسلام والكفر لأحد الأسباب الآتية : وهي إما أنهم مرضى القلوب بالكفر والنفاق ، والمرض ملازم لهم ، وإما أنهم شكوا في الدين وفي نبوته صلىاللهعليهوسلم ، وإما إنهم يخافون أن يجور الله تعالى ورسوله عليهم في الحكم. وترداد هذه الأسباب توبيخ لهم ، ليقروا بأحد هذه الأسباب.
وأيا كان السبب فهو كفر محض ، والله عليم بكل منهم وبصفاتهم ، لذا قال الله تعالى : (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي بل إنهم ، أي المنافقون هم الظالمون الفاجرون الفاسقون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم ، لا أنهم يخافون أن يحيف أو يجور الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لمعرفتهم بأمانته وعدله في حكمه ، وصونه عن الجور ، والحيف : الميل. أما الرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنما يحكم دائما بأمر الله وشرعه ، ولا يحيد عن الحق مقدار أنملة ، سواء كان الحق لمنافق أو ليهودي أو لغيرهما.
الطاعة المتناهية عند المؤمنين
إن معرفة الله تعالى بوجوده ووحدانيته ونعمائه وأفضاله ، تتطلب حبه حبا جما متناهيا ، يفوق كل حب ، ويسمو فوق كل حب ، ويتجرد عن الهوى والمصلحة ، والنفعية وتحقيق المطالب ، والحب والمعرفة يتطلبان إقرارا وبرهانا واقعيا عليهما ، ومحاولة التقرب من الله المحبوب حبا ذاتيا ، وطاعة هذا المحبوب ، وامتثالا لأوامره