لا شريك له ، فليس لكم إله غير الله ، ألا تتقون؟ أي ألا تخافون من الله بإشراككم به شريكا آخر؟ فإن الله هو الخالق القادر ، وينتقم ممن عاداه ، ونسب إليه الشريك.
فقال الملأ أي أشراف القوم وسادتهم الذين كفروا من قومه وعبدوا الأوثان : ما نوح إلا بشر مثلكم ، ورجل منكم ، يريد أن يتميز ويترفع عنكم بادعاء النبوة ، ولا ميزة له من علم ولا خلق ، فكيف يكون نبيا يوحى إليه دونكم وهو مثلكم؟! ويمنع نبوته ثلاثة أشياء بحسب زعمهم :
١ ـ لو أراد الله أن يبعث نبيا ، لبعث أحد الملائكة من عنده ، لأداء رسالته ، ولم يكن بشرا ، وهذا إنكار لكون النبي بشرا ، وتصور بأن النبوة تكون من عنصر أسمى من البشر وهم الملائكة. وهذا يناقض حقيقة الرسالة ، فإن الرسول طبعا وعقلا ينبغي أن يكون من جنس المرسل إليه ، حتى يتفاهم معه ، ويناقشه في الإلهيات والنبوات.
٢ ـ ما سمعنا ببعثه : البشر في عهد الآباء والأجداد في الأزمان الغابرة ، وهذا يكون بسبب تبعتهم في التقليد للأسلاف ، وإهمال دور العقل والوعي ، والإصرار على الكفر والجحود من غير برهان مقبول.
٣ ـ وقالوا وما نوح إلا رجل مجنون ، فيما يزعم أن الله أرسله إليكم ، وخصه بالوحي والنبوة دونكم ، وهذا اتهام رخيص يصدر من مفلس الحجة ، وسطحي التفكير ، والمتصف ببلاهة العقل ، فإن العوام السطحيين لا يجدون لتسويغ انحرافهم غير اللجوء إلى تسفيه العقلاء ، والتشكيك في حكمة الحكماء ، ثم إنهم بعد هذا الاتهام يتواصون فيما بينهم بأن ينتظروا الموت لنوح ، في زمن قريب ، فيستريحوا منه ومن دعوته.
وقولهم : (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي انتظروا هلاكه إلى وقت. ولم يعيّنوه ، وإنما أرادوا إلى وقت يريحكم القدر منه.