والحياة مسرح للابتلاء أو الاختبار بالبلاء والنعمة ، وبالشدة والرخاء ، وبالشر والخير ، ومرجعكم ومصيركم في النهاية إلى حكم الله وحسابه وجزائه ، فنجازيكم بأعمالكم ، وفي هذا وعد بالثواب ، ووعيد بالعقاب ، وهذا إخبار من الله عزوجل عن الرجعة إليه ، والقيام من القبور ، بعد أن كانوا على أحوال مختلفة في الدنيا ، كما قال الله تعالى في تقسيم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٥ / ٣٢]. والابتلاء بالخير والشر هنا : كل ما يصح أن يكون فتنة وابتلاء ، وذلك خير المال وشره ، وخير البدن وشره ، وخير الدنيا في الحياة وشرها. وأما الهدى والضلال ، فغير داخل في هذا ، كما لا تدخل الطاعة والمعصية ، والأوامر والنواهي ؛ لأن من هدي فليس نفس هداه اختبارا ، بل قد تبين خبره.
ثم ذكر الله تعالى استهزاء بعض المشركين بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، كأبي جهل بن هشام وأمثاله ، فليس لهم همّ إلا السخرية من النبي ، واتخاذه مهزوءا به ، وقالوا تعجبا واستنكارا : أهذا الذي يعيب آلهتكم ويسفّه أحلامكم؟! والحال أنهم كافرون بالله الذي خلقهم وأنعم عليهم ، وإليه مرجعهم ، فهم يعيبون على النبي ذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع ، مع أنهم كافرون بالرحمن الذي هو المنعم الخالق ، المحيي والمميت.
روي أن أبا سفيان وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسجد ، فاستهزءا به ، فنزلت الآية بسببهما. وظاهر الآية يعم معناها جميع كفار قريش وعظمائهم الذين كانوا ينكرون موقف الرسول من آلهتهم. فرد الله عليهم بأنهم أحق بالملام ، وهم المخطئون ، حيث كفروا بذكر الله ، واستمتعوا بذكر الأصنام ، وقوله تعالى : (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) معناه بما يجب أن يذكر به. والمقصود بالرحمن : هو الله تعالى ، ردا عليهم حين قالوا : ما نعرف الرحمن إلا باليمامة.