مكة للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن كان ما تقول حقا ، ويسرّك أن نؤمن ، فحوّل لنا الصّفا ذهبا ، فأتاه جبريل عليهالسلام ، فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ، ولكنه إن كان ، ثم لم يؤمنوا ، لم ينظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك ، قال : بل أستأني بقومي ، فأنزل الله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ).
نبّه الله تعالى في مطلع هذه السورة (سورة الأنبياء) على اقتراب وجود الساعة (القيامة) ودنوّها ، وصور لنا هذا بصيغة الماضي ، مبينا أنه قد بات في حكم المقطوع به ، المقرر القائم ، أنه قرب زمان حساب الناس على أعمالهم في الدنيا ، وهو اقتراب الساعة ، ولكن الناس في حياتهم ساهون غافلون ، لاهون معرضون عن التأهب للحساب ، والتفكر في الآخرة ، وقوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) عام في جميع الناس ، وإن كان المشار إليه في وقت نزول الوحي بهذه السورة كفار قريش ، بدليل ما بعده من الآيات ، وقوله سبحانه : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) يريد الكفار.
ودليل غفلة الناس : أنه ما يأتي الكفار من قريش وأشباههم من قرآن جديد إنزاله ، ينزل سورة سورة ، وآية آية ، على وفق المناسبات والوقائع إلا استمعوه ، وهم لاهون ساخرون مستهزءون ، متشاغلة قلوبهم عن التأمل وتفهّم معناه ، وهذا ذم صريح للكفرة ، وزجر لأمثالهم عن تعطيل الانتفاع بما يسعدهم ، وقوله تعالى : (مُحْدَثٍ) يراد به الصوت المسموع فهو حادث بلا شك ، وأما أصل القرآن الذي هو كلام الله فهو قديم بقدم الله تعالى.
وكان حال الكفار عند نزول القرآن : هو التناجي وإخفاء الكلام فيما بينهم ، مرددين : هل هذا الرجل محمد إلا بشر كغيره من الناس في عقله ، وتفكيره ، وتكوينه ، فكيف يختص بالرسالة دونكم؟!