(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) أي أشد وأبقى من كل ما يقع عليه الظن والتخيل ، كما جاء في آية أخرى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : ١٧ / ٩٧].
قال المعرض عن ذكر ربه : يا رب ، لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ، أي لماذا بعثتني أعمى البصر ، وقد كنت مبصرا في دار الدنيا؟
فأجابه الله تعالى : مثل ذلك فعلت أنت ، فكما تركت آياتنا وأعرضت عنها ولم تنظر فيها ، تترك الآن في العمى والعذاب في النار ، ونعاملك معاملة المنسي ، كما قال الله تعالى : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) [الأعراف : ٧ / ٥١] فإن الجزاء من جنس العمل.
وهكذا نجازي ونعاقب المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة ، وكما وصف الله من أليم الأفعال ، نجزي المسرفين المخالفين ، ولعذاب الآخرة في النار أشدّ ألما من عذاب الدنيا وأدوم عليهم ، فهم مخلّدون فيه ، كما جاء في آية أخرى : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤)) [الرعد : ١٣ / ٣٤].
إن جزاء المسرفين المعتدين الكافرين بالله عزوجل جزاء ثابت في الحياتين الدنيوية والأخروية ، وهو حق وعدل ؛ لأن الله تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله ، وأبان شرائعه ونظمه ، ليسير الناس على نهجها ، ويلتزموا بها ، فإن كذبوا وأعرضوا عن بيان الله ، استحقوا العقاب الأليم والجزاء الشديد ، وذلك منطق العدل والحكمة والمصلحة.
العبرة من إهلاك بعض الأقوام
في التاريخ القديم والحديث عبر وعظات ، وتوجيه للأنظار بأن ما حدث للماضين بسبب تكذيب الرسل والأنبياء ، قد يحدث للأقوام الآتية بعدهم ، إذا ساروا في