كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧)) [طه : ٢٠ / ١٢٢ ـ ١٢٧].
تضمنت هذه الآيات لآدم عليهالسلام أمورا ثلاثة : الرجوع به من حال المعصية إلى حال الندم ، وهدايته لصالح الأقوال والأعمال ، وإمضاء عقوبته عزوجل في إهباطه من الجنة إلى عالم الدنيا. وفي الدنيا إنذار لآدم وذريته ، فحواه أن المستقيم على أمر الله يلقى السعادة ، والمعرض عن ذكر الله يتلقى ألوان المعيشة الشديدة المتعبة.
والمعنى : لقد اصطفى الله تعالى آدم عليهالسلام وقرّبه إليه ، بعد أن تاب من المعصية (وهي الأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها) وطلب المغفرة من ربه ، وأقر بأنه قد ظلم نفسه ، فتاب الله عليه من غلطته ، وهداه إلى التوبة وإلى سواء السبيل.
ثم قال الله تعالى لآدم وزوجه حواء : انزلا من الجنة إلى الأرض معا ، بعضكم يا معشر البشر في الدنيا عدو لبعض ، في شأن المعاش وتنافس الدنيا وأطماعها ، مما يؤدي إلى وقوع الخصام والاقتتال.
فإن يأتكم أيها البشر مني هدى ، بوساطة الأنبياء والرسل ، وإنزال الكتب المنذرة والمبشرة ، فمن اتبع هدى ربه وآمن به ، فإنه لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة.
ومن أعرض عن ذكر الله وكفر به ، فإن له معيشة ضنكا ، أي معيشة نكدة شاقة في المنازل ، أو في الحروب ونحوها ، ووقت هذه المعيشة في عالم الدنيا قبل يوم القيامة.
والمعنى : أن المعرض عن ذكر الله وهو الكافر ، وإن كان متسع الحال والمال ، فمعه من ألوان الحرص والقلق والهموم والتعذيب النفسي في أمور الدنيا أو في البرزخ في القبر ، ما يصيّر معيشته ضنكا وشدة ، فتكون العبرة بسعادة النفس وراحة البال والاطمئنان. ثم نحشره ونبعثه في الآخرة أعمى البصر والبصيرة ، تائه الدرب ، متخبطا في ألوان العذاب يوم القيامة.