بينهم ، في مدة البقاء في الدنيا ، فيقول بعضهم لبعض : ما لبثتم في الدنيا إلا قليلا بمقدار عشرة أيام أو نحوها ، إنهم يجدون مدة بقائهم في الدنيا أو القبور قصيرة جدا ، إذا قورنت بأيام الآخرة ، فقوله تعالى عن المجرمين : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) يتسارّون ، والمعنى : أنهم لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم وأفكارهم ، قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوها في الدنيا ومدة العمر. وعبّر الله تعالى عن قصر المدة بالعشر ؛ لأن القليل في مثل هذا الموضع لا يعبر عنه إلا بالعشر.
ثم يقول الله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ ...) أي نحن أعلم بما يتناجون ، وبما يقولون في مدة لبثهم أو مكثهم ، حين يقول أمثلهم طريقة ، أي أعدلهم قولا ، وأكملهم رأيا وعقلا ، وأعلمهم بالحقيقة : ما لبثتم إلا بمقدار يوم واحد ، لأن دار الدنيا كلها ، وإن طالت في أنظار الناس ، كأنها يوم واحد : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٢٢ / ٤٧].
وهذا يدلّنا على أن معايير الزمن ومقاييسه ، تتغير عند الله في الآخرة ، فليس اليوم أو السنة من أيام وسنين الدنيا شيئا يذكر بالنسبة للآخرة ، فهو كالساعة أو اللحظة ، وفي هذا رهبة وإثارة خوف وفزع ، والحق أن أهوال الآخرة تلجم الألسنة ، وتخرس الأفواه ، وتشتت الأذهان والأفكار ، وتوقع النفوس في الحيرة والقلق والدهشة ، فتصير الموازين مختلة ، والحسابات مضطربة.
تغير أوضاع الدنيا يوم القيامة
قد يظن بعض الناس من الطبيعيين والماديين أن نظام الكون من الأرض والسماء يدوم على هذه الحال في عالم القيامة ، وهذا خطأ بيّن ؛ لأن اختلاف الأشياء يستتبع اختلاف الأحوال ، فلا نشاهد يوم القيامة عالم السماء الحالي ، ولا نظام الأرض