هذه جملة من الأوامر والنواهي الصادرة من الله لموسى وأخيه هارون. مضمونها : اذهب يا موسى مع أخيك إلى فرعون وقومه بآياتي ومعجزاتي الدالة على وجودي وقدرتي ووحدانيتي ، التي جعلتها لك آية وعلامة على النبوة ، وهي الآيات التسع التي أنزلت عليك ، ولا تضعفا ولا تفترا أو تبطئا عن ذكر الله ، ولا عن تبليغ الرسالة إلى فرعون وملئه. وخاطب موسى وحده بقوله : (اذْهَبْ أَنْتَ) تشريفا له. وآياتي : علاماتي التي أعطيتكما من معجزة وآية وحي وأمر ونهي كالتوراة.
اذهبا إلى فرعون ، وأبطلا ألوهيته بالحجة والبرهان ، لأنه تجاوز الحد في الكفر والتمرد والطغيان ، والتجبر والعصيان ، وبدأ بفرعون ؛ لأنه الحاكم الذي إذا آمن ، تبعه الناس.
فقولا له كلاما لينا رقيقا لا خشونة فيه ، لعله يتذكر حقيقته أو يخشى ربه ، وهذا الأسلوب من اللين واللطف : هو شأن الرسول الداعية الناجح ، حتى لا ينفر فرعون وأمثاله من دعوة موسى إلى تمجيد الله وتوحيده ، فإن العبارة اللطيفة أجلب للمراد.
فأجاب موسى وهارون بقولهما : يا ربنا ، إننا نخاف من فرعون وبطشه إن دعوناه لتوحيدك وعبادتك ، أن يشتط في الغضب ويمعن في عقوبتنا أو يتجاوز الحد في التجبر والطغيان ، والأذى والاعتداء ، فقوله : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) معناه : أن يحمله حامل على التسرع إلينا بمكروه.
قال الله لموسى وهارون : لا تخافا من فرعون ، فإنني معكما بالنصر والتأييد ، والحفظ والعون ، وإنني سميع لما يجري بينكما وبينه ، ولست بغافل عنكما ، وأرى كل ما يقع ، فأصرف شره عنكما ، فقوله تعالى : (إِنَّنِي مَعَكُما) أي بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. و (أَسْمَعُ وَأَرى) عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية ، تبارك الله رب العالمين ، والمراد أن الله تعالى حث موسى وهارون على التبليغ بجرأة وحكمة.