السماوات والأرض ومالكهما وما بينهما ، وهو المدبر والحاكم والمتصرف الذي لا معقّب لحكمه ، فاثبت أيها النبي وكل مؤمن على عبادة ربك ، واصطبر على العبادة والطاعة ، وما فيهما من المتاعب والشدائد ، ولا تنصرف عنها بسبب إبطاء الوحي ، هل تعلم للرب مثلا أو شبيها ، يكون أهلا للعبادة؟! فهو سبحانه الخالق والمدبر والرازق ، والمنعم بأصول النعم وفروعها ، من خلق الأجسام والحياة والعقل ، وما يحتاجه الإنسان وغيره من الحاجات الدائمة والمؤقتة والمتكررة ، فإنه لا يقدر على ذلك أحد سوى الله سبحانه ، ولا يتمكن أحد من تلبية الحاجات كلها إلا من كان دائم الذّكر والعلم ، من غير نسيان شيء أو تضييع صالح كل شيء ، وكفى بقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي لم يكن الله ممن يلحقه نسيان لإرسال أو تنزيل شيء على النبي في وقت المصلحة إليه ، فإنما ذلك عن قدر له ، أي فلا تطلب يا محمد الزيادة أكثر مما شاء الله.
والمراد بقوله سبحانه من نفي العلم : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) نفي الشريك على أي وجه ، والاستفهام للإنكار ، وهل بمعنى (لا) أي لا تعلم.
قال ابن عباس : ليس أحد يسمى (الرحمن) غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه.
والخلاصة : إن الله تعالى نفى النسيان عن نفسه مطلقا ، أما الترك فلا ينتفي مطلقا ، ألا ترى قوله تبارك وتعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) [البقرة : ٢ / ١٧] ، وقوله سبحانه : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) [الكهف : ١٨ / ٩٩].
وقول الله سبحانه : (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أمر بحمل تكاليف الشرع وإشعار بما فيها من صعوبة ، كالجهاد والحج والصدقات ، فهي شريعة تحتاج إلى اصطبار ، أعاننا الله عليها.