أخرج أحمد والبخاري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ، فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ). وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : أبطأ جبريل في النزول أربعين ، فذكر نحوه.
هذه الآيات تبين سبب تأخر الوحي أحيانا على النبي صلىاللهعليهوسلم ، جاءت بطريق الحكاية على لسان الملائكة. فبعد أن استبطأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم نزول جبريل عليهالسلام ، أمر الله جبريل أن يقول : وما نتنزل نحن الملائكة بالوحي على الأنبياء والرسل ، إلا بأمر الله بالتنزيل ، على وفق الحكمة والمصلحة ، وخير العباد في الدنيا والآخرة. ولا يتنزل القرآن إلا بأمر الله تبارك وتعالى في الأوقات التي يقدرها.
إن لله تعالى التدبير والتصرف في الكون ، وأمر الدنيا والآخرة ، وما بين ذلك من الجهات والأماكن والأزمنة الماضية والحاضرة والمستقبلة. فلا يقدم أحد من الملائكة على أمر إلا بإذن الله. والتنزل هنا : النزول على مهل ، وقتا بعد وقت ، وقوله سبحانه : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) خطاب جماعة لواحد ، وذلك لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسل. كأن جبريل عنى نفسه والملائكة.
وما كان ربك يا محمد ناسيا لك ، وإن تأخر عنك الوحي ، ولا ينسى الله شيئا ، ولا يغفل عن شيء ، وإنما يقدم ويؤخر لما يراه من الحكمة. وهذه الآية تشبه مطلع سورة الضحى : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣) [الضحى : ٩٣ / ١ ـ ٣].
روى ابن المنذر وغيره عن أبي الدرداء مرفوعا قال : «ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرمه فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ثم تلا هذه الآية : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)
وكيف ينسى الله شيئا ، فهو سبحانه تام العلم ، مالك كل شيء ، فهو خالق