وأضاف المنادي قائلا : حركي جذع النخلة ، تسقط عليك رطبا طريا طيبا ، صالحا للاجتناء والأكل ، من غير حاجة إلى تخمير وصناعة ، وهذه آية أخرى ، بقدرة الله.
قال الزمخشري : كان جذع نخلة يابسة في الصحراء ، ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة ، وكان الوقت شتاء. فكلي من ذلك الرطب ، واشربي من ذلك الماء ، وطيبي نفسا ، ولا تحزني ، وقري عينا برؤية الولد النبي ، فإن الله قادر على صون سمعتك ، والإرشاد إلى حقيقة أمرك. قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة.
وتابع المنادي قائلا : فإن رأيت إنسانا يسألك عن أمرك وأمر ولدك ، فأشيري له بأنك نذرت لله صوما عن الكلام ، أي صمتا ، بألا أكلم أحدا من الإنس ، بل أكلم الملائكة ، وأناجي الخالق.
ومعنى الآية : أن الله تعالى أمر مريم ـ على لسان جبريل أو ابنها عليهماالسلام ـ بأن تمسك عن مخاطبة البشر ، وتحيل على ابنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها ، وتتبين الآية والمعجزة ، فيظهر عذرها. وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الكلمات التي في الآية : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
كان هذا الصوم صوما عن الطعام والكلام ، لظرف خاص ، فإن السكوت يوحي بوجود لغز في الموضوع ، يستدعي استغراب الناس ، ثم إدراك سبب الصيام عن الكلام بالذات. قال جماعة : أمرت مريم بهذا ليكفيها عيسى الاحتجاج.
أما في الأحوال العادية فلا يجوز في شرعنا الصوم عن الكلام ، ولا يجوز في شرعنا أن ينذر أحد صوما عن الكلام ، وكان ابن مسعود يأمر من فعل ذلك بالنطق والكلام.