ملك ظالم ، يأخذ كل سفينة صالحة غير معيبة ، اغتصابا وظلما من غير وجه حق ، فكان عمل الخضر حماية لهذه السفينة ، وصونها لأصحابها الضعفاء ، فهو من قبيل ارتكاب أخف الضررين لدفع أعظمهما. والمراد من قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) أي أمامهم ، كقوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) [الجاثية : ٤٥ / ١٠] وقالوا : «وراء» من الأضداد. وعبر الله عن أصحاب السفينة بلفظ «فكانت لمساكين» أي ضعفاء إشفاقا على حالهم التي كانوا عليها.
وأما حادث قتل الغلام : فلأنه كان كافرا ، وكان أبواه مؤمنين يحبانه ، فكانت هناك خشية من متابعته في الكفر والوقوع في الظلم والعصيان ، حينما يكبر ، لأن حب الولد غريزة ، ومجاملته من أبويه قد تقع ، فكان قتله حماية على عقيدة والديه ، من قبيل سد الذرائع ، أي منع الوسيلة المفضية إلى ممنوع شرعا.
قال الخضر : أراد الله أن يرزق هذين الوالدين ولدا آخر بدلا عنه وخيرا منه في الصلاح والعقيدة ، وبر الأبوين والعطف عليهما. روي عن ابن جريج : «أنهما بدّلا غلاما مسلما».
وأما حادث بناء الجدار مجانا : فكان في بلدة أنطاكية ، وكان آيلا للسقوط ، وكان تحته كنز لغلامين يتيمين في تلك المدينة ، وكان أبوهما وهو الجدّ السابع رجلا صالحا ، فأراد الله إبقاء ذلك الكنز مدفونا محفوظا للغلامين حتى يرشدا ، فأمر الله الخضر بإصلاح ذلك الحائط ، إذ لو سقط لاكتشف الكنز وأخذ ، فهدمه الخضر ثم أعاد بناءه ليحفظ الكنز للغلامين حين الكبر والرشد ، أو بلوغ الأشد ، فإذا ما كبرا استخرجا الكنز ، وانتفعا به ، وفي هذا مصلحة واضحة ، لا يقدم عليها أحد إلا من آتاه الله علما لدنيّا ، وإلهاما ربانيا صادقا.
وكان الخضر في هذه الأفعال ينسب الفعل لنفسه ، إلا في حادث بلوغ الحلم الذي