ومثل آية : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)) [يس : ٣٦ / ٧٨ ـ ٧٩].
أجابهم الحق سبحانه آمرا نبيه أن يقول لهم : إن إعادة الميت إلى الحياة أمر سهل يسير ، وهو في تصور البشر وعقولهم أهون على الله من الخلق أول مرة بحسب عقولنا ، أما بالنسبة لقدرة الله ، فلا فرق في الحالين لأن الله القادر على الخلق بإيجاد الروح في الأشياء الجامدة ، قادر على الإعادة والتكوين ، فالعبرة إذن بالقدرة الإلهية.
ولو فرض أنكم أيها المشركون كأشد الأشياء صلابة من حجارة أو حديد ، فإن الله قادر على إحيائه ، ونفح الروح فيه ، فيصير حيا متحركا ، لأن الله قادر على إيجاد كل الممكنات ، وإحياء الأشياء المادية ، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وهذا على سبيل المبالغة ، وربط الأشياء بأقصى التصورات في الدلالة على قدرة الله على الإحياء والإعادة.
وبعبارة أخرى : قل لهم يا محمد : كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتّي في تصوركم ، فلا بد من بعثكم. وفعل (كونوا) هنا هو الذي يسميه المتكلمون : التعجيز ، والأدق أن يقال : كونوا بالتوهّم ، والتقدير كذا وكذا.
وبعد أن استبعد المشركون الإعادة من جديد ، استبعدوا حدوثها ولم يؤمنوا بالقادر على الإحداث ، قائلين : من يعيدنا إلى الحياة إذا كنا حجارة أو حديدا أو خلقا آخر شديدا ، مما يكبر أو يعظم في صدوركم وعقولكم كالسماء والأرض ، فالله قادر على بعثه وإحيائه من جديد ، والباعث أو الخالق : هو الذي فطركم ، أي أوجدكم وخلقكم أول مرة ، فهو قادر على إعادتكم وإحيائكم للبعث والجزاء والحساب.
ثم إن المشركين بعد هذا يحركون رؤوسهم تعجبا واستهزاء وتكذيبا ، ويقولون :